بسم الله الرحمن الرحيم
ما الحكمة من أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أمياً ؟
أيها الأخوة الكرام، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، وننتقل اليوم إلى كتاب الوحي،وقد يتبادر إلى الذهن أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، فلو أن النبي كان يقرأ ويكتب، وهو معلم البشرية فكيف نجمع بين أن الأمية نقص في شخصية الإنسان، وبين أن الأمية من صفة النبي عليه الصلاة والسلام؟
الكلام الجامع المانع المختصر المفيد أن أمية النبي وسام شرف له، وأميتنا وصمة عار بحقنا، لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبقى وعاء النبي طاهراً من كل ثقافة أرضية، لأن الله تولى بذاته العلية تعليمه,
قال تعالى:
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)
[سورة النجم الآية: 5-6]
فلأن الله تولى تعليمه، ولأن هذا النبي مشرع، وقد أُمر الناس باتباعه، إذاً: هو معصوم، لذلك أميته أن وعاءه ليس فيه إلا وحي السماء،قال الله عز وجل:
(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
[سورة النجم الآية : 3-4]
لو أنه على ثقافة أرضية، وبدأ يدعو إلى الله, لكان السؤال المتكرر كل يوم: يا رسول الله! هذا الذي تقوله من وحي السماء أم من ثقافتك؟
(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)
وما لم نعتقد اعتقاداً جازماً بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن الله عصمه من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره لا نكون على عقيدة سليمة، ولأن الله عصمه أمرنا أن نأخذ عنه،قال تعالى:
(وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)
[سورة الحشر الآية : 7]
كيف عصمه؟ جعل كل وعائه المعرفي ممتلئاً من وحي السماء، هذه حقيقة أولى،أما نحن فقال عنا النبي صلى الله عليه وسلم:
إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم
[ورد في الأثر]
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام, قال: (( إنما ))، النبي أفصح العرب، فإذا قال: (( إنما )) ، إنما أداة قصر، يعني ليس هناك من سبيل إلى العلم إلا بالتعلم بالنسبة لنا، أما النبي كان أمياً وأميته وسام شرف، تولى الله تعليمه, قال تعالى:
(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)
[سورة العنكبوت الآية: 48]
لكن ما دام الموضوع قد تشعب، نقول في الدين أصول وفروع، الأصول أن تعرف الله, والفروع أن تعرف منهجه، فأنت بآياته التكوينية والكونية والقرآنية تعرفه، وأنت في الأحكام الفقهية تعبده، أي بالكون تعرفه وبالشرع تعبده .
اللغة التي أنزل بها القرآن :
أيها الأخوة، ننتقل إلى موضوع آخر، وهو أن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين،قال تعالى:
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
[سورة يوسف الآية: 2]
(وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً)
[سورة طه الآية : 113]
(قُرْآَناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)
[سورة الزمر الآية : 28]
(فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً)
[سورة فصلت الآية : 3]
(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)
[سورة الزخرف الآية: 3]
وآخر آية, قوله تعالى:
(حُكْماً عَرَبِيّاً)
[سورة الرعد الآية : 37]
فالله سبحانه تعالى شرف هذه الأمة بأن جعل وحيه يتنزل باللغة العربية، وقد يسأل سائل: لماذا كانت العربية مشرفة بوحي السماء؟ الحقيقة أن الذي يدرس فقه اللغة يعلم علم اليقين أن الطرف الآخر الذي لا يحابي هذه الأمة إطلاقاً يعترف أن اللغة العربية من أرقى اللغات الإنسانية، لكنها تضعف بضعف قومها، وتقوى بقوة قومها .وكتعليق أقول: الرجل فجماله فصاحته، فلا تعجب أن يدخل وفد على خليفة كبير كسيدنا عمر بن عبد العزيز يتقدمهم غلام، يغضب الخليفة، فيقول: أيها الغلام، اجلس وليقم من هو أكبر منك سناً، فيقول هذا الغلام: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه، قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكانت في الأمة أحق منك بهذا المجلس .
غلام آخر دخل على عبد الملك بن مروان، وكان من كبار خلفاء بني أمية، فوبخ حاجبه، وقال له: ما شاء أحد أن يدخل علينا إلا دخل, حتى الصبية, فابتسم هذا الغلام الصغير ، وقال: أصلح الله الأمير، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، ومعكم فضول أموال، فإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها علينا، وإن كانت لله فنحن عباده، فقال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً .
سيدنا عمر يمشي في طُرق المدينة، أطفال عدة يلعبون، فلما رأوه هابوا وفروا، واحد منهم بقي واقفاً، لفت نظره، قال: يا غلام، لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير، لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك .
فما الذي يمنع أن نعلم أبناءنا اللغة الفصحى؟ أن نعلمهم المطالعة، أن نعلمهم الكتابة، أن نعلمهم إلقاء الكلمات، لأن جمال الرجل فصاحته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق