بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

********************************

لماذا لا يُستجاب لدعائنا مع أن الله تعالى قد تعهّد باستجابة الدعاء؟

قول تعالى في محكم التنزيل يخاطب حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة: 186
وهذا يدل على أن الله قريب منا يسمع دعاءنا ويستجيب لنا ولكن الذي لفت انتباهي أن اللهيجيب الدعاء فكيف نستجيب له تعالى فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وهل هو بحاجة لاستجابتنا ؟

من هنا نستنبط أن الله يدعونا إلى أشياء يجب علينا فعلها لكي يستجيب لنا ، وبالتالي إذا استجبنا لله سوف يستجيب لنا الله

فما هي الأشياء التي يجب أن نعملها حتى يُستجاب دعاؤنا ؟

لوتأملنا دعاء الأنبياء والصالحين في القرآن نلاحظ أن الله قد استجاب دعاءهم ولم يخذل أحداً من عباده ، فما هو السرّ؟
لنتأمل دعاء أنبياء الله عليهم السلام ، وكيف استجاب لهم الله سبحانه وتعالى هذا هو سيدنا نوح عليه السلام يدعوا ربه أن ينجيه من ظلم قومه ، يقول تعالى وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ الأنبياء: 76

وهنا نلاحظ أن الاستجابة تأتي مباشرة بعد الدعاء
وهذا نبي 
الله أيوب عليه السلام يدعوا ربه بعد أن أنهكه المرض ، يقول تعالى وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ الأنبياء: 83-84

وهنا نجد أن الاستجابة تأتي على الفور فيكشف الله المرض عن أيوب عليه السلام ثم ينتقل الدعاء إلى مرحلة صعبة جداً عندما كان سيدنا يونس في بطن الحوت

فماذا فعل وكيف دعى الله وهل استجاب الله تعالى دعاءه ؟
يقول تعالىوَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَالأنبياء: 87-88

إذاً جاءت الاستجابة لتنقذ سيدنا يونس من هذا الموقف الصعب وهو في ظلمات متعددة - ظلام أعماق البحر وظلام بطن الحوت وظلام الليل ، أما سيدنا زكريا فقد كان دعاؤه مختلفاً، فلم يكن يعاني من مرض أو شدة أو ظلم ، بل كان يريد ولداً تقر به عينه ، فدعى اللهوَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُالأنبياء: 89-90

وقد استجاب الله دعاءه مع العلم أنه كان كبير السنّ ولا ينجب الأطفال ، وكانت زوجته أيضاً كبيرة السن ، ولكن الله قادر على كل شيء

والسؤال الذي يطرح نفسه : ما هو سرّ هذه الاستجابة السريعة لأنبياء الله ، ونحن ندعواالله ليل نهار في كثير من الأشياء فلا يُستجاب لنا ؟

لقد أخذ مني هذا السؤال تفكيراً طويلاً ، وبعد بحث في سور القرآن وجدت الجواب الشافي في سورة الأنبياء ذاتها
فبعدما ذكر 
الله تعالى دعاء أنبيائه واستجابته لهم ، قال عنهم إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ الأنبياء: 90
ما أسهل الإجابة عن أي سؤال بشرط أن نتدبر القرآن ، وسوف نجد جواباً لكل ما نريد ، ومن هذه الآية الكريمة نستطيع أن نستنتج أن السرّ في استجابة الدعاء هو أن هؤلاء الأنبياء قد حققوا ثلاثة شروط وهيالمسارعة في الخيرات - الخطوة الأولى على طريق الدعاء المستجاب هي الإسراع للخيرإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ فهم لا ينتظرون أحداً حتى يدعوهم لفعل الخير ، بل كانوا يذهبون بأنفسهم لفعل الخير، بل يسارعون ، وهذه صيغة مبالغة للدلالة على شدة سرعتهم في فعل أي عمل يرضي الله تعالى

وسبحان الله ، أين نحن الآن من هؤلاء ؟
كم من المؤمنين يملكون الأموال ولكننا لا نجد أحداً منهم يذهب إلى فقير ، بل ينتظر حتى يأتي الفقير أو المحتاج وقد يعطيه أو لا يعطيه - إلا من رحم الله ، وكم من الدعاة إلى اللهيحتاجون إلى قليل من المال للإنفاق على دعوتهم لله ، ولا تكاد تجد من يدعمهم أو يعطيهم القليل ، والله تعالى ينادينا جميعاً فيقول مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ البقرة: 245

ليسأل كل واحد منا نفسه
كم مرة في حياتك ذهبت وأسرعت عندما علمتَ بأن هنالك من يحتاج لمساعدة فساعدته حسب ما تستطيع ؟
كم مرة نصحت ضالٌّ عن سبيل
 الله فنبهته عن تقصيره ، ودعوته للصلاة أو ترك المنكرات ؟

ما ذا قدمت لدينك ؟
يامن تدَّعي حب الرسول صلى 
الله عليه وسلم الم يقل بلغوا عني ولو اية هل حاولت ان تستخدم هذه النعمة والتي هي نعمة الانترنت في الدعوة الى الله ؟
هذا عمل الانبياء ولا سيما ان الله سبحانه وتعالى قد يسرلنا هذه النعمة عمل بسيط واجر عظيم خاصة لو قارنا المدة التي نقضيها على الجهاز في التسلية وتضييع الوقت فهل من مشمر ؟
بل كم مرة في حياتك تركت الدنيا ولهوها قليلاً وفكرت في آخرتك ، وسارعت فجلست مع كتاب الله تقرأه وتحفظ ما تيسر منه ؟؟ هل انت من المحافظين على الاستغفار ودعاء الله في الرخاء ؟ فإذا لم تقدّم شيئاً لله فكيف يقدم لك الله ما تريد ؟ إذاً فعل الخير أهم من الدعاء نفسه
لأن الله تعالى قدّم ذكر المسارعة في الخير على ذكر الدعاء فقالإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا

الدعاء بطمع وخوف : الخطوة الثانية هي الدعاء ، ولكن كيف ندعوا وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
الرَّغَب أي الرغبة بما عند الله من النعيم ، والرَّهَب هو الرهبة والخوف من عذاب الله تعالى، إذاً ينبغي أن يكون دعاؤنا موجّهاً إلى الله تعالى
برغبة شديدة وخوف شديد
الخشوع لله تعالى
والأمر الثالث هو أن تكون ذليلاً أمام الله وخاشعاً له أثناء دعائك ، والخشوع هو الخوف :وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ وهذا سرّ مهم من أسرار استجابة الدعاء ، فبقدر ما تكون خاشعاً لله تكن دعوتك مستجابة

والخشوع لا يقتصر على الدعاء ، بل يجب أن تسأل نفسك : هل أنا خاشعٌ لله في صلاتي ؟ وهل أنا أخاف الله أثناء كسب الرزق فلا آكل حراماً ؟
وهنا ندرك لماذا أكّد النبي الكريم على أن يكون المؤمن طيب المطعم والمشرب ليكون مستجاب الدعوة

هل فكرت ذات يوم أن تعفوا عن من أساء إليك ؟ هل فكرت أن تصبر على أذى أحدٍ ابتغاء وجه 
الله ؟ هل لديك عمل لا يعلم به الله بينك وبينه ؟ هل انت تَصِلُ من قطعك ؟ هل فكرت أن تسأل نفسك ما هي الأشياء التي يحبها الله حتى أعملها لأتقرب بها عند الله ولأكون من عباده الخاشعين ؟

هذه أسئلة ينبغي أن نطرحها ونتفكر فيها جميعا ، ونعمل على أن نكون قريبين من 
الله وأن تكون كل أعمالنا وكل حركاتنا بل وتفكيرنا وأحاسيسنا ابتغاء وجه الله لا نريد شيئاً من الدنيا إلا مرضاة الله سبحانه ، وهل يوجد شيء في هذه الدنيا أجمل من أن يكون الله قد رضي الله عنك ؟

هل ستسارع من هذه اللحظة إلى فعل الخيرات ؟
وهل ستتوجه إلى
 الله بدعائك بإخلاص ، تدعوه وأنت موقنٌ بالإجابة ، وترغب بما عنده وتخاف من عذابه ؟
وهل سيخشع قلبك أمام كلام الله تعالى ، وفي دعائك ، وهل ستخاف الله في جميع أعمالك ؟

إذا قررت أن تبدأ منذ الآن في تطبيق هذا الدرس العملي فإنني أخبرك وأؤكد لك بأن اللهسيستجيب لدعائك ، وهذا الكلام عن تجربة مررت بها قبلك
وكان من نتائجها أن أكرمني الله بأكثر مما أسأله ، واعلم أخيراً أن الدعوة التي لم تستجب لك في الدنيا ، إنما يؤخرها الله ليستجيبها لك في الآخرة عندما تكون في أمس الحاجة لأي شيء في ذلك اليوم ، أو أن الله سيصرف عنك من البلاء والشر والسوء ما لا تعلمه بقدر هذا الدعاء

وندعوا بدعاء المتقين الذين حدثنا القرآن عنهم رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ