الجواب: في الواقع لا توجد أي طريقة تمكنك من إدارة أو تنظيم وقتك لأن الوقت لا يدار وليس بمقدورنا التحكم به أو تنظيمه، وسوف أوضح لك لماذا!

الله عزّ وجل خلق الزمن وجعل له مساراً لا يتغير أو يتبدل، فالزمن يسير وفق ما سخّره الله له دون انقطاع أو تريّث. ومهما كانت قدراتك الإدارية أو التنظيمية فلن تستطيع مثلاً إدارة خمس دقائق لتصبح ست دقائق، أو تنظيم الوقت بحيث يصبح في اليوم ثلاثين ساعة بدلاً من أربعة وعشرين! فهذا خارج عن مقدورنا كبشر وليس لنا إلا التعامل مع الوقت كما هو.

وللتوضيح أكثر لنتأمّل في مفهوم "ساعة". فالساعة تتكون من ستون دقيقة أليس كذلك؟ حسناً هل نستطيع تغيير هذه الحقيقة؟ هل نستطيع تنظيم الدقائق الستون لتصبح سبعون مثلاً؟ بالطبع لا؛ إذن ما الجدوى من محاولة إدارة الوقت إذا لم يكن لديك القدرة لتغييره أو تنظيمه أو التأثير عليه؟

ولكن في المقابل ما تختار أن تقوم به خلال تلك الستينن الدقيقة هو العنصر القابل للإدارة والتنظيم وليس الوقت. فإذا قررت أن تقرأ كتاب أو تحضر اجتماع أو تجلس مع أبنائك أو تُعد تقرير أو تتصفح الإنترنت أو الاسترخاء والراحة خلال تلك الساعة أنت عملياً قمت بإدارة " مهام " وليس " وقت ".

إذن السر يكمن في إدارتنا " للمهام " التي علينا القيام بها أو الوعود التي ألزمنا أنفسنا بالوفاء بها. فالمهام التي نختار القيام بها في أي وقت من الأوقات (أو نختار عدم القيام بها) هي العنصر الذي يمكن إدارته وتنظيمه بشكل فعال وليس الوقت. والتفكير من هذا المنطلق (منطلق إدارة المهام) يقودنا بمشيئة الله إلى آلية فعالة لتنظيم شؤون حياتنا بحيث نصبح أكثر إنتاجية وأقدر على إنجاز ما لدينا من مهام.

أولاً فلنبدأ بتعريف المهام أو المهمة والتي أعرفها أنا على أنها أي شيء يعترضك في حياتك وترغب في أن تقوم بشيء حياله يغير من حالته الحالية إلى حالة أخرى سواء كان شيءً صغير أو كبير، مهم أو قليل الأهمية، ممتع أو ممل، مفيد أو غير مفيد، فطالما أنه يجب عليك فعل شيء حياله بسبب أحد الأدوار التي تلعبها في الحياة أصبح بالتالي " مهمة " خاصة بك عليك إنجازها. والأدوار التي نلعبها في الحياة تنشأ من كوننا أزواج وآباء وأبناء وإخوان وأصدقاء وموظفين إلخ.. والتي بسببها (أعني هذه الأدوار) يكون لدينا التزامات ومسؤوليات لا يمكننا تجاهلها (أو على الأقل لا يجدر بنا تجاهلها) إذا أردنا أن نحظى بشيء من التوازن والاستقرار في حياتنا. ومن أمثلة المهام التي تشغل بالنا في أي يوم من الأيام: إصلاح مقبض الباب في أحد غرف المنزل، إعداد تقرير أداء لإدارتك يجب تسليمها قبل نهاية الشهر ، الإعداد للإجازة السنوية مع الأهل الخ..

إلا أن الحياة التي نعيشها اليوم زاخرة بما يشغل انتباهنا مما يجعل من قدرتنا على الانتباه والتركيز قريبة إلى "الصفر" مما يحول بيننا وبين تحقيق التوازن على كافة مستويات المسؤولية المنوطة بنا نتيجة لأدوارنا في الحياة. ولنأخذ يوم الأمس كمثال؛ كم بريد إلكتروني وصلك خلالها؟ كم خطاب أو مذكرة أو فاكس؟ رسالة نصية؟ طلبات من الأهل أو الأقارب أو الأصدقاء (أو جميعهم معاً)؟ وجميعها تتطلب منك فعل شيء حيالها. وما أن نبدأ بالبت في إنجاز مهمة أو عمل تظهر عشر مهام أخرى يجب علينا إنجازها "إصلاح مقبض الباب ، إعداد تقرير أداء يجب تسليمه آخر الشهر، رحلة ترفيهية لك وللعائلة الشهر القادم الخ.." وجميع هذه الالتزامات أو " الاتفاقيات " التي اتفقنا فيما بيننا وبين أنفسنا على القيام بها ستشكل ضغط نفسي يستمر في التزايد إلى أن ننجز ما اتفقنا مع أنفسنا على إنجازه.

وعندما تتراكم علينا هذه المهام وتشغل أذهاننا وتشتت انتباهنا نبدأ بإلقاء اللوم على الوقت وضعف قدرتنا على "إدارته أو تنظيمه" بشكل فعال مما ينتج عنه تراكم المهام وزيادة الضغوط. ولكن الوقت كما وضحنا سابقاً عنصر لا يمكننا التحكم به أو تغييره فلماذا نلقي اللوم عليه؟ التركيز لابد أن ينصب على طريقتنا في إدارة وتنظيم مهامنا بما يتحقق معها إنجاز هذه المهام بأسلوب فعال.

والآن بعد أن عرفنا المقصود بـ "مهام" فلنبدأ بسرد كافة المهام التي يجب عليك فعل شيء حيالها؟ هل تستطيع القيام بذلك؟ هل تستطيع أن تسرد الآن كافة مهامك وإلتزاماتك في هذه الحياة دفعة واحدة (صغيرة أو كبيرة، مهمة أو قليلة الأهمية، ممتعة أو مملة، مفيدة أو غير مفيدة)؟ بالطبع لا، ولكن لماذا؟ لأن أغلب الناس مازالوا يحاولون الاحتفاظ بمثل هذه المعلومات في ذاكرتهم واستخدام أدمغتهم لحفظ وإسترجاع المهام التي لديهم مع أن الدماغ ليس المكان المناسب لحفظها. جربها بنفسك، افتح أي كتاب محيط بك وحاول حفظ أول جملة تقرأها بمجرد قرائتها لمرة واحدة فقط (إقرأ السطر مرة واحدة). إذا نجحت في ذلك قم بعدها بقراءة سطرين أو ثلاث بعد السطر الأول ومن ثم حاول إسترجاع السطر الأول من ذاكرتك؟ هل رأيت كيف أن الدماغ ليس أداة مناسبة للحفظ الفوري (طبعاً إذا كنت بصدد حفظ القرآن مثلاً أو أجزاء منه فلا شك أن الدماغ هو الأداة المناسبة لذلك بما حباه الله من قدرة على الحفظ، ولكن لا يتأتى ذلك إلا ببذل مجهود مُركّز قد يستغرق زمن طويل (سنين أحياناً في حالة حفظ القرآن) وكي تتمكن من استرجاع ما حفظته فيجب عليك المراجعة الدورية المتكررة له. ولكن هل يُتصوّر أن يقوم أحدنا ببذل نفس المجهود الذي يتطلبه مثلاً حفظ سورة من القرآن أو فصل من كتاب لحفظ قائمة المهام التي عليه؟ الجواب بالطبع لا.

إلا أنني ما زلت أرى العديد يعتمدون على ذاكرتهم بشكل رئيسي لحفظ ما لديهم من مهام وما عليهم من مسؤوليات وإلتزامات. ومتى تُذكره ذاكرته بهذه المهام وأنه عليه أن يفعل شيء حيالها؟ عندما لا يستطيع الخروج من الغرفة لأن "المقبض خربان" ، وعندما يهاتفه المدير بشأن التقرير (والذي نسي إعداده)، وعندما يحاول إجراء حجوزات له ولأسرته ولا يجد أي مقعد متوفر لأنه انتظر إلى آخر لحظة كي يخطط للرحلة !

الآن بعد أن عرفنا أن السر هو في إدارة المهام السؤال الذي يجب أن يتبادر للذهن هو: كيف أعرف هذه المهام وكيف أديرها وأنظمها بحيث يتم إنجازها بكفاءة وفعالية؟
لإدارة مهامك بشكل فعال يجب عليك بالمحاور الرئيسية التالية (بالترتيب

أولاً: حصر كافة المهام والالتزامات التي عليك نتيجة لأدوارك ومسؤولياتك في الحياة.
ثانياً:حفظ تلك المهام خارج دماغك وفي أوعية حفظ مناسبة (ورقية أو رقمية أو كلاهما(
ثالثاً: المراجعة الدورية والمتكرر لتلك الأوعية بحيث ترى من خلالها صورة متكاملة لما يحيط بك من مهام ومسؤوليات تسهل عليك القيام بها على أتم وجه.
ولعلنا في مقالات قادمة بمشيئة الله نتطرق إلى التطبيقات المثالية في إعداد أوعية فعالة لحفظ واسترجاع المهام الخاصة بنا.