الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

فاسلكي سبل ربك


فاسلكي سبل ربك
تاريخ المقال : 2/11/2011 | عدد مرات المشاهدة : 153

نحلة تقوم بامتصاص الرحيق
لقمان ابراهيم القزاز
إجتمع لطائفة النحل السكنً فيما يصلح من الجبال والشجر ومما يعرشون ؛ والمأكل من كل الأزهار التي سُخّرت لها واُرشِدت إليها، ولأجل أن تدوم الحياة في الخلية وتنتظم أمورها، وتعيش النحل في مجتمع متكامل، يحقق ما خُلقت لأجله من تلقيح النبات وصنع شفاء للناس، اُمرت النحل، وقد اُتيح لها المسكن والمأكل، أن تسلك السبل التي ذللت لها للوصول الى تلك الغايات السامية النبيلة.
(.. فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ). { النحل : 69 } 
ومن لطف الله وحكمته أن جعل ما تصنعه النحل من شفاء مذاباً في شراب لذيذ الطعم حلو المذاق، وفي ما تفرز من غذاء ملكي وسُم وشمع، وفي ما تجمع من عِكبِر وحبوب لقاح. والنحلة في كل ما تسلك من هذه السُبل وغيرها مأمورة ؛ مسيّرة ؛ مبرمجة وفق نظام محكم ثابت لا حرية فيه للإختيار، وقد أخفقت جميع المحاولات التي بُذلت لتغيير بعض ما فطرت عليه من عادات، وظلت طوال الوقت محتفظة بما كانت عليه
من سلوك مارسته في العراء منذ الآف السنين.
تتوزع السبل التي ذللت للنحل ما بين مراحل تطوّرها ونموّها.. تطوّرها داخل النخروب الى ملكة وشغالة، ونموّها داخل الخلية ( شغالة منزلية ) يافعة، و خارج الخلية ( شغالة حقلية ) تسرح في المراعي والحقول. وفي كل الأحوال تظل خاضعة لتأثير عامل مهم يُفرز في دمها يُعرف بـ ( هرمون الصبا ). هذا الهرمون وضعه الله منظماً لوظائف أعضائها وموجهاً لسلوك مختلف السبل التي هي قوام حياتها.
- هرمون الصبا : 
هرمون الصبا او الشباب Juvenile Hormone )) مادة كيمياوية معقدة، يفرزها في الدم ثنتان من الغدد الصم (Corpora allata ) تقعان على جانبي المرئ في رأس النحلة، وتتصلان بغيرهما من الغدد الصم وبالمخ بألياف عصبية، يؤدي فرزهما وظائف محددة منها النمو والتطور والنضج الجنسي.
لهرمون الصبا في حياة النحلة دوران أساسيان : الأول يتبين في تطور اليرقة، والثاني في سلوك الشغالة البالغة. يرتبط الدوران بمستوى تركيز الهرمون في الدم.
أ - في تطور اليرقة :
يستغرق عمر اليرقة الأُنثوية الآتية من بيضة ملقحة خمسة أيام، تتغذى في خلالها بهلام الشغالات مدة ثلاثة أيام، وبالعسل وخبز النحل مدة يومين. وتتغذى اليرقة التي يُراد لها أن تصبح ملكة بغذاء الملكات طوال أيامها الخمسة.
يقود الطعام القليل الذي تتغذى به اليرقة الأنثوية والذي يُقدر بـ ( 1.7 ) ملغم الى تركيز منخفض من هرمون الصبا في دمها، ينجم عنه تطورها الى شغالة.. ويؤدي وفرة ما تستهلكه اليرقة الأنثوية بعمر ( 3– 5 ) أيام من غذاء ملكي والذي يُقدر بـ ( 240 ) ملغم الى رفع تركيز هرمون الصبا في دمها، يؤدي التركيز العالي الى تطور أعضائها وأجهزتها الى ملكة.
صورة ليرقات النحل داخل  نخاريب بيت النحل
ب - في سلوك الشغالة : 
يختلف حجم الغدد الصم التي تفرز هرمون الصبا باختلاف عمر الشغالة وسلوكها. ويعمل الهرمون منظماً للنضج السلوكي والفيزيولوجي، ويؤثر في تطور غدد الشغالات وتقسيم العمل بينها حسب أعمارها. وتحدد التركيزات المختلفة منه سلوك الشغالة في تغذية الملكة وخدمتها وإطعام اليرقات واحتضانها وفرز الشمع وبنائه ونقل الرحيق وتصنيعه وجمع حبوب اللقاح وإعدادها وفي التنظيف والتهوية والتبريد والتكوًر الشتوي وتعلّم الطيران وحراسة الخلية والدفاع عنها وسوى ذلك. ويسيطر الهرمون على التوقيت الذي تتحول فيه الشغالات المنزلية الى شغالات حقلية، ويؤدي ارتفاع مستواه في حوالي نهاية الأسبوع الثالث من عمر الشغالة الى دفعها الى الحقل والبحث عن الطعام.
ويشارك هرمون الصبا في تكامل سلوك الطائفة، التي يتأثر مستوى الهرمون في أفرادها بالعوامل البيئية، يمنحها مرونة في الإستجابة لمتغيرات الظروف المختلفة.. منها مثلاً ؛ عند تعرض الشغالات الحقلية للتسمم بالمبيدات ونفوقها في الحقل يتغير مستوى الهرمون في الشغالات المنزلية الأكبر سناً، فتنهض لمواصلة أداء المهمات الحقلية.. وفي النِحالة المُرتحِلة تتعرض الشغالات الى إختلاف المراعي وتقلبات درجات الحرارة ومتغيرات الرطوبة النسبية، وتعمل مستويات الهرمون المتحسسة على سرعة تكيّفها وتأقلمها، وسهولة اندماجها في البيئة الجديدة الطارئة.
وفيما يأتي عرض لبعض السبل التي هيأها الله تبارك وتعالى للنحلة وجعل من سلوكها قوام حياتها، ومن ورائها هرمون الصبا يعمل بمستويات تركيزاته المختلفة على تنظيمها وضبطها، ومن هذه السبل : -
 
صورة لنحلات تتبع سبل ربها باحثة عن رزقها
- سُبل التغذية :
الغذاء سبيل الحياة لجميع الأحياء، ولا حياة بلا غذاء. وفي مجتمع النحل اُعدّت النحلات الحاضنات اليافعات لتغذية يرقة الملكة - الآتية من بيضة ملقحة - بغذاء خاص بها يُعرف بالغذاء الملكي ( Royal jelly )، تفرزه الغدد تحت البلعومية والغدد الفكية، تستغرق التغذية به خمسة أيام، وتتوقف حين يصل وزن اليرقة في نهاية اليوم الخامس الى ( 320 ) ملغم وتأخذ اليرقة بالتطور الى ملكة.. ثم تغذي الحاضناتُ الملكة طوال عمرها بالغذاء نفسه؛ الذي يتميز بوفرة ما فيه من فيتامينات ( B ) وسواها، والذي يطيل من عمر الملكة الى (4) سنوات في المتوسط، ويُمكّنها من أن تضع حوالي ( 2000 ) بيضة يومياً في موسمي البيض من السنة الأولى والثانية من عمرها، مما يؤدي الى زيادة عدد الأفراد ونمو الطائفة، وجمع كميات من الغذاء أكبر، وتعويض ما يهلك من أفراد بسبب النشاط الشاق طوال موسم فيض العسل.
وتغذي الحاضنات يرقة الشغالة - الآتية من بيضة ملقحة أيضاً - بهلام الشغالات ( Worker jelly ) مدة ثلاثة أيام، يليها يومان من تغذية بحبوب لقاح وعسل. وتتوقف عن تغذيتها حين يصل وزنها في نهاية يومها الخامس الى ( 160 ) ملغم، او ما يعادل نصف وزن اليرقة الملكية ثم تتطور الى شغالة.. وتغذي الحاضنات يرقة الذكور - الآتية من بيضة غير ملقحة - بالهلام الذكري ( Drone jelly ) الذي يتميز باحتوائه على كمية كبيرة من مادة ( Kairomonal ) المنشطة للجهاز التناسلي، تستمر التغذية بهذا الغذاء ثلاثة أيام، تليها ثلاثة اُخرى تتحول التغذية فيها الى حبوب لقاح وعسل، وتتوقف حين يصل وزن اليرقة في نهاية اليوم السادس الى ( 384 ) ملغم وتتطور اليرقة الى ذكر.
وتختم الشغالاتُ اليرقاتِ جميعاً بعد الانتهاء من عملية التغذية بطبقة مسامية رقيقة من شمع وحبوب لقاح، تسمح بتبادل الغازات.
الملكة وعموم اليرقات تغذيها الشغالات.
الشغالات تتناول غذاءها من العسل وخبز النحل بنفسها.
الذكور تغذيها الشغالات ما دامت تغذيتها لا تؤثر في مؤونة الطائفة، فاذا شحّت مصادرالغذاء طردتها خارج الخلية او لسعتها.
- سُبل إكتشاف الغذاء :
تواصل مجموعة من الشغالات الحقليات المكتشِفات بحثها عن مصادر غذائية غنية.. تطير بسرعة منخفضة ومتغيرة، وفي خطوط غير مستقيمة تساعدها على إكتشاف مصدر غذائي مناسب، وعند العثور عليه تتناول منه ما تستطيع، وتحاول العودة اليه ثانية للحصول على مزيد، وبمشاركة اُخريات من أفراد طائفتها، فتنثر حوله رائحتها الخاصة ؛ التي هي جزء من ( رائحة الطائفة )، تنشرها بطريق حركة الأجنحة.
تعود النحلة المكتشِفة الى خليتها محمّلة بالغذاء في خط مستقيم وبسرعة لا تتجاوز ( 16 ) كم في الساعة، وفي الخلية تؤدي نوعين من حركات راقصة تحدد بهما بُعد مصدر الغذاء عن الخلية وإتجاه المصدر بالنسبة الى موقع الشمس.
إحدى الرقصتين تعرف بـ ( الرقص الدائري )، تدلّ على أن مصدر الغذاء قريب يقع على مسافة لا تزيد على ( 50 ) متراً من الخلية.
وتسمى الرقصة الثانية بـ ( الرقص الإهتزازي ) تؤديه الشغالة اذا كان مصدر الغذاء يقع على بعد ( 100 ) متر وأكثر.
وتتم كلا الرقصتين وفق آليات معينة.. ولتحديد إتجاه مصدر الغذاء فان ( الرقص الدائري ) يشير إلى أن الغذاء قريب من الخلية، ويمكن إكتشافه بسهولة بمساعدة الرائحة التي نُثرت عليه.. أما إذا كان المصدر بعيداً عن الخلية فيحدده إتجاه رأس النحلة في ( الرقص الإهتزازي )، فإذا كان الرأس متجهاً إلى أعلى، فيعني ذلك أن الغذاء في جهة الشمس. وإذا كان الرأس يميل عن الخط الوهمي الواصل بين الخلية والشمس بزاوية إلى جهة اليمين أو اليسار فان الغذاء في اتجاه مَيل الرأس نفسه. ويكون إتجاه مصدر الغذاء في الجهة المقابلة للشمس إذا كان رأس الراقصة متجهاً إلى أسفل.
ويدور الرقص داخل الخلية وفي ظلامها، لذلك لاتتمكن الشغالات أن تلحظ ما يجري ولكن النحل القريبة من الشغالة الراقصة تتحسس ما يحدث بطريق اللمس والشم، وبمساعدة عيونها البسيطة الثلاث التي تُمكِّنها من الإبصار مسافة قصيرة، والأصوات الخافتة التي تصدرها إهتزازات أجنحة النحلة الراقصة ؛ فتدرك مدى بُعد الغذاء وجهته بالنسبة الى موقع الشمس، آخذة في الحسبان أن الشمس تغير موقعها درجة واحدة الى الغرب كل أربع دقائق.
وبعد أن تتعرف الشغالات القريبة المسافةَ والاتجاه تنطلق في طريقها إلى جمع الغذاء مباشرة دون أن يُجهدها بحث وتنقيب، تملأ حواصلها بالعسل او سلالها بحبوب اللقاح، ثم تهرع إلى خليتها تستحثّ برقصاتها بقية العاملات للمشاركة في إرتياد المصدر المكتشَف. ولا يعوقها إنتشار الغيوم واحتجاب الشمس عن إدراك الاتجاه المحدد ؛ لِما في أعينها المركبة من قدرة على تحسس الأشعة فوق البنفسجية ؛ التي تنطلق من الشمس عَبر الغيوم، وتعجز عين الإنسان عن أن تراها.
- سُبل جمع الرحيق وصنع العسل : 
الرحيق محلول مائي لعدد من المواد، منها سكريات مختلفة وأملاح معدنية وأنزيمات وفيتامينات وصبغات نباتية وزيوت عطرية تمنح العسل طعمه ونكهته، وتختلف نسبة محتوياته وكميته من نبات الى آخر، تفرزه غدد في النبات تقع في أجزاء مختلفة من الزهرة، وأغلبها في قاعدة التويج.
تجذب الزهرة النحلة بعدة عوامل من بينها الرائحة واللون والرحيق، وتفضل النحل زيارة الأزهار التي تفرز الرحيق بتركيز عالٍ يتراوح بين (40-60% ) فاذا تدنّت النسبة دون (20%) لايلقى اهتماماً من جامعات الرحيق. وتفرز معظم الأزهار الرحيق بكميات ضئيلة وقليل منها يفرزه بشكل أوفر نسبياً مثل أزهار الحمضيات والزنابق، وعلى الرغم من قلّة العطاء فإن النحل لا تتخلف عن زيارة أي منها، في الوقت الذي لا تُبدد فيه جهدها ووقتها في الوقوف على زهرة أُمتص رحيقها، تعرف ذلك من الرائحة التي تركتها جامعة الرحيق التي سبقتها، فتغادر في الحال تبحث عن أُخرى تحتفظ برحيقها.. وحين تقف النحلة على الزهرة تمدّ خرطومها الى موضع الرحيق منها، وتمتص ما فيه عن
آخره وتخزنه في حوصلة العسل، ثم تنتقل الى اخرى.
ولمعرفة ما ينال النحلة من إجهاد في هذا السبيل فقد تبيّن أن عليها أن تزور ما بين ( 500 - 1000 ) زهرة برسيم مثلاً لتحصل على ملء (كشتبان) من عسل.
يُقدر عدد الشغالات التي تجمع الرحيق بـ ( 50 – 80% ) من النحل الحقلية، ويبلغ عدد الرحلات التي تقوم بها الشغالة الواحدة نحو ( 30 ) رحلة يوميا، و متوسط ما تنقله في الرحلة الواحدة ( 40 ) ملغم، تضع منه (30) ملغم في
الخلية وتستهلك الباقي في غذائها.
وتسلك الشغالات سُبل تحويل الرحيق الى عسل عبر عمليتين : -
الأولى كيميائية : 

تبدأ العملية الكيميائية مع بداية جمع الرحيق، حين تنشط الغدد اللعابية ويتدفق فرزها فور ارتشاف الرحيق، فيختلط الاثنان في حوصلة العسل حتى تمتلئ بهما. ويعمل ( انزيم الانفرتيز ) الذي تفرزه الغدد اللعابية على تحوّل السكر الثنائي (سكر القصب) ا والذي يبلغ وزنه قرابة نصف وزن ما في الرحيق من سكريات الى سكريات أُحادية (سكر عنب وسكر فواكه). وتستمر عملية التحوّل والنحلة في طريق عودتها الى الخلية.. وتكمّل الشغالة المنزلية آخر خطواتها بأن تفرز فيه الانزيم نفسه في أثناء عملية التبخير الى أن يبلغ العسل مرحلة النضج، ويكون المتبقي فيه من سكر القصب حوالي (2%) من وزن العسل.
الثانية طبيعية : 
وتبدأ العملية الطبيعية عندما تستلم الشغالة المنزلية حمولة الرحيق من الشغالة الحقلية. وتباشر عملية التبخير للتخلص من الماء الزائد في الرحيق وتحويله الى عسل ناضج تتراوح نسبة الرطوبة فيه بين (18-20%). وتتم عملية التبخير بأن تفتح النحلة فكيها وتحرك خرطومها الى أمام والى أسفل، وتكرر هذه الحركة الى أن تظهر بعض قطرات من الرحيق تزداد الى أن تصبح قطرة كبيرة تسيل على الخرطوم، وتُعرَّضها لجو الخلية الدافئ، ويتبخر منها بعض الماء، فتمتصها، وتعيد العملية قرابة ثمانين مرة او تسعين، تصل نسبة التركيز في نهايتها الى الحد المطلوب. تستغرق العملية قرابة (20) دقيقة وفي خلالها يكون قد فرز من الانزيم ما يكفي لإتمام عملية التحوّل، فيعبأ العسل الناضج في النخاريب الخاصة بخزنه، ويُختم بغطاء من الشمع النقي رقيق.
 
شهد العسل (العسل داخل الشمع الذي يصنعه النحل )
- سُبل جمع حبوب اللقاح وصنع خبز النحل :
حبوب اللقاح هي المادة الذكرية في النبات تحتاج اليها البويضات الأنثوية للإخصاب. تحتوي على بروتينات ودهون وسكريات وفيتامينات وأملاح معدنية ومواد اخرى. وتؤثر القيمة الغذائية لمحتوياتها – ومنها الزيوت الطيارة – في جذب النحل اليها، وهذا يفسر بعضاً من سرّ إقبال النحل على أنواع من الأزهار وإهمالها أنواعاً اخرى.
تستطيع الطائفة أن تعيش بالعسل فترة من الوقت ولكنها لا تستطيع مواصلة الحياة بلا حبوب لقاح ؛ المادة الغذائية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولِما لها من تأثير مباشر في كافة العمليات الحيوية ؛ من نمو اليرقات ونمو الغدد تحت البلعومية وغدد الشمع والأجسام الدهنية. وحرمان الطائفة من حبوب اللقاح يؤدي الى عجز الشغالات عن مدً الملكة بالغذاء الملكي، وعدم قدرتها على تكوين السم، وإصابة قسم منها ببعض أنواع الشلل وموت عدد كبير منها.
قبل خروج الشغالات جامعات حبوب اللقاح الى الحقل تضع كل واحدة منها كمية صغيرة من العسل في حوصلتها، وحين وصولها الى الزهرة تنتزع بمهارة حبوب اللقاح من أسدية الزهرة باستخدام أرجلها وفكوكها المبللة بالعسل،. وفي أثناء طيرانها الى زهرة ثانية تحرك أرجلها أسفل بطنها، تجمع بواسطة أمشاطٍ دقيقة حبوبَ
اللقاح المنتشرة في أرجلها الخلفية وشعيرات جسمها على شكل كتل صغيرة. وبآليات معينة يطول ذكرها تدفع حبوب اللقاح كتلة بعد اخرى في السلة حتى تمتلىء بالكامل. وعند العودة الى الخلية تضع حمولتها في النخاريب القريبة من الحضنة، ثم تأخذ قليلا ً من العسل وتنطلق الى الحقل مرة اخرى.
وتدفع شغالة منزلية كتلتي حبوب اللقاح في عمق النخروب برأسها وفكوكها المغلقة، تفتتها وتضيف اليها شيئاً من العسل وبعضاً من فروزها الفكية ؛ لترطيبها وتسهيل تماسكها ومنع تعفنها وإنباتها. تجعلها على هيئة أقراص بعضها فوق بعض يُطلق عليها ( خبز النحل )، لا يمتلىء النخروب بها حتى حافاته ولا تختم بغطاء مثلما يُفعل بالعسل. تشاهد في الربيع تملأ اُطراً بكاملها، تلوّنها درجات من اللون الأبيض والأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي والأزرق والأخضر.
يُقدر عدد الشغالات التي تجمع حبوب اللقاح بـ ( 25 % ) من عدد الشغالات الحقلية، ومتوسط عدد الرحلات اليومية لكل شغالة ( 10 ) رحلات، تزور في كل رحلة ( 50 - 350 ) زهرة، تجمع منها حمولة يتراوح وزنها بين ( 9 – 29)  ملغم، تضع في كل نخروب ( 18 ) حمولة.
وعندما تزور الشغالة الحقلية أزهاراً تحتوي على حبوب لقاح ورحيق تجمع من كلا العنصرين ما تستطيع حمله من كميات صغيرة.

- سُبل جمع الماء واستعماله : 
الماء ضروري لإستمرار الحياة في الكائنات الحية، ومن المعروف أن العمليات الحيوية داخل الجسم لا تتم إلا في وسط مائي مثل التمثيل الغذائي والفرز. والنحلة مثل سائر الأحياء لا يمكنها الإستغناء عن الماء. ولها في قرون الإستشعار حاسة اُعدّت لتمييز الماء، وإدراك وجوده عند تعرّضها لبخاره، وتعرّفِ ما يحصل من تغيّرات في بخار الماء الموجود في الجوّ، فاذا ما أحست بأن نسبة الرطوبة بلغت حداً ينذرها بقرب وقوع المطر لجأت مسرعة الى خلاياها.
تنطلق الشغالات جامعات الماء الى مصادره المختلفة، تجمعه من الندى المنثورعلى الأزهار والأوراق، ومن المجاري الطبيعية النظيفة، ومن الأحواض الخاصة والأمكنة الرطبة. وعندما يكون المصدر حوضاً تقف مجموعة من الشغالات على حافته الدائرية، يصطف بعضها بجانب بعض بنظام وهدوء، تملأ بطونها منه حتى تبدو شفافة في أشعة الشمس. وفي الخلية تعطيه الى مجموعة من الشغالات المنزلية يُطلق عليها ( خازنات الماء )، تنتفخ بطونها بالماء المخزون فيها، وكلما ازداد ورود الماء على الخلية كثر عدد الشغالات ذوات البطون المنتفخة ؛ التي تقف هادئة قرب مناطق تربية اليرقات ؛ تمدّ العِطاش بحاجتهم من الماء، وكلما هبطت بطونها اُعيد ملء هذه الخزانات الحية بالماء من جديد.
تستغرق الرحلة الواحدة لجمع الماء قرابة ( 3 ) دقائق، ويمكن للشغالة جامعة الماء أن تقوم ب ( 50 ) رحلة يومياً، تنقل الى الخلية في أثنائها ( 1250 ) ملغم من الماء ؛ بمتوسط ( 25 ) ملغم للحمولة الواحدة، توزعها بين حوالي ست شغالات خازنات، ثم تنطلق الى المصدر ثانية.
تنقل الطائفة الماء في الشتاء ؛ تخزنه قطراتٍ في قاعدة الخلية وفي تجاويف شمعية ؛ للأوقات التي لا تسمح فيها الظروف الجوية بمغادرة الخلية ؛ مثل البرد الشديد والرياح العالية والأمطار المتصلة. تستخدمه في مدّ الشغالات بما تحتاج اليه فعالياتها الحيوية.
وتستخدم الشغالات الماء في الربيع لتخفيف قوام العسل المركز وتقديمه طعاماً لليرقات، ولتسهيل نقله من النخاريب المجاورة للحضنة توسيعاً لمساحتها ووضع البيض فيها. ويقلّ نقل الماء كلما يزداد جمع الرحيق.
وفي حرارة الصيف وجفافه يُنقل الماء الى الخلية بكميات كبيرة، وقد يُخزن فوق الاُطر وفي بعض التجاويف الشمعية، يُستخدم في إشاعة قدر من الرطوبة داخل الخلية يمنع جفاف اليرقات وغذائها، وفي ضبط درجة الحرارة بطريقة التهوية. يتم ذلك بنثر الماء على أجزاء من داخل الخلية، و وقوف عدد من الشغالات أمام المدخل وفي الداخل تحرّك أجنحتها حركة سريعة تحدث تياراً هوائياً ؛ يجدد الهواء ويلطف جوّ الخلية ويثبّت درجة الحرارة فيها فيما بين ( 32 -34 ) درجة مئوية.

- سُبل جمع العِكبِر واستخدامه : 
يُُطلق على هذه المادة عدة أسماء.. صمغ النحل وغِراء النحل والعلك والعِكْبِر. وهي مادة صمغية راتنجية مختلفة القوام والألوان، تفرزها النباتات من مواضع الجروح فيها ومن حول البراعم الجديدة، لغرض الوقاية من البلل، ومن الهجوم المحتمل للبكتريا والخمائر والفطريات والحشرات وغيرها من الآفات.
يحتوي العكبر على مواد حمضية وراتنجية وشموع وزيوت عطرية وحبوب لقاح، إضافة الى إحتوائه على فيتامينات وكحولات وبروتينات وعدد من عناصر معدنية.
يرتبط جمع العكبر بقوة الطائفة ودرجة الحرارة ونشاط النباتات في فرز الصموغ. تجمعه الشغالات في شكل كتل صغيرة، تنقلها الى الخلية في سلال حبوب اللقاح. يستغرق جمعها وإفراغها وقتاً طويلاً. تقف الشغالة محملة بها هادئة ساكنة قرب مكان الحاجة اليها، لا تحاول إفراغها بنفسها، بل تنتظر أن يفعل ذلك غيرها من الشغالات المتخصصات. يستغرق إفراغها بأجزاء صغيرة ما بين ساعة الى يومين، تمضغها الشغالة المتخصصة وتضيف اليها بعض فروزها الفكية ؛ تساعد على تطريتها، ثم تضعها في المكان المناسب.
تُكثِر الشغالات من جمع العكبر في الخريف ؛ لتتمكن من تشتية مساكنها قبل انخفاض درجات الحرارة في الشتاء. تستخدمها في لصق أجزاء الخلية وتثبيتها، وفي سدّ الثقوب وملء الشقوق والتحكم في تضييق فتحة المدخل؛ للحيلولة دون سروب الهواء البارد في الخلية، وتستخدمه أيضاً في تقوية الأقراص الشمعية، وصقل النخاريب قبل استعمالها ؛ للقضاء على ما يمكن أن يكون فيها من بكتريا وفطريات، فضلاً عن استخدامه في تغطية ما ينفذ في الخلية من حيوانات صغيرة ؛ تقتلها ولا تستطيع إخراجها، فتمنع بتغطيتها تحللها وتعفنها داخل الخلية.

- سُبل الدفاع عن الخلية وحماية الطائفة : -
النحلة حشرة مستهدفة في نفسها وفي نِتاجها، يتربّص بها عدد لا يُستهان به من أعداء طبيعية من طيور وحشرات، وهناك من يسعى الى الحصول على عسلها من إنسان وحيوان وحشرات ونحل سارقة. وقد اُعدّت إعداداً جيداً لتحمي نفسها ونوعها من فتك الأعداء، وتدافع عن عسلها وطائفتها بسلوك سبيلين ؛ أحدهما اللسع بالسم والثاني الدفاع بالحرارة.
اللسع بالسم :
في بطن النحلة غدد تفرز السم، يتجمع في كيس خاص به، ثم يُحقن وقت الحاجة اليه بغرس إبرة اللسع في جسم العدو. يُستخدم اللسع ضدّ الإنسان الذي يستفزها، والحيوان الذي يهاجمها، والنحلة الغريبة التي تسرق عسلها. وتخسر النحلة نفسها في معركتها ضدّ الإنسان والحيوان ؛ لعجزها عن إسترداد إبرتها المسننة تسنيناً عكسياً بعد غرسها في جسم العدو. يؤدي انفصالها من جسمها مع جهاز اللسع وجزء من أحشائها الى حدوث نزيف يقضي عليها في خلال ساعة او ساعتين.. بينما يمكنها أن تسترد إبرتها بسهولة في صراعها ضدّ نحلة سارقة اذا عاجلتها بها.. ثم تكرر غرسها في سارقة اخرى.
وتشكل بعض الطوائف وبخاصة الضعيفة منها هدفاً سهل المنال للنحل السارقة، إن لم تُحكم الحراسة بالنحل الفتية على مدخل الخلية. وحين قيام السرقة تطلق النحل الحارسة رائحة إنذار من غدد في الفك العلوي وفي حجرة اللسع، تنبه أفراد الطائفة على وقوع خطر على الخلية فتستعد للدفاع عنها.. وتقاتل الشغالات النحلَ المعتدية َ، تعرفها من رائحتها الغريبة ومن طريقة طيرانها وهجومها على الخلية. وتشتبك النحل المصطرعة إثنتين إثنتين، متقابلتين توجّه كل منهما إبرتها لغرسها في الاخرى، وتنتصر مَن تفعلها أولاً. وتنسحب النحل المهاجمة حين تجد في النحل المدافعة قوة واستماتة.. او تنفذ في الخلية غير المُحصّنة ذات الثغرات تقضي على أغلب أفرادها وتنقل كامل عسلها. وفي الأغلب تشارك أكثر من طائفة في الهجوم على النحل المغلوبة ونهب عسلها.
الدفاع الحراري : 
وتسلك النحل في دفاعها ضدّ الزنابير البنية وذئاب النحل طريق ما يُعرف بـ ( الدفاع الحراري ). إن من المعروف أن أقصى ما يمكن أن تتحمله النحلة من درجة حرارة هو ( 49 ) مْ وتهلك اذا تجاوزتها. وأن أقصى ما يمكن أن يتحمله الزنبور البني من درجة حرارة هو ( 45 ) مْ ويهلك اذا تجاوزها. وحين ينفذ زنبور بني داخل خلية ليسرق عسلاً او يخطف نحلة تتكاثر علية الشغالات، يُمسك بعضها بأجنحته وبأرجله، تشلّ حركته وتمنعه من الهرب، وتتزاحم عليه شغالات اخرى تذبذب أجنحتها بحركة سريعة تبلغ ( 11400 ) ذبذبة في الدقيقة ترفع بها درجة حرارته الى ( 47 ) مْ، أقلّ بدرجتين من الحرارة التي تؤذي بها نفسها فتسلم، وأكثر بدرجتين من الحرارة التي لا يتحمّلها الزنبور البني فيهلك.. ويتكرر المشهد نفسه مع حشرة ذئب النحل عندما يقترب من لوح الطيران أمام مدخل الخلية، يحاول أن ينقضّ على شغالة يريد خطفها ؛ فتتناوله الشغالات وتتكاثر عليه، وتكرر معه ما فعلت بالزنبور البني فيلقى المصير نفسه.

- سبل إستخدام الروائح ( الفيرومونات ) :

الرائحة أو الفيرومون ( Pheromone ) مواد كيمياوية تنطلق خارجياً من غدد في جسم النحلة، تحمل رسائل معينة الى الأفراد التابعة الى النوع نفسه، تستقبلها النهايات العصبية الحساسة في نقر الشم المنتشرة بين الشعيرات في قرون استشعار أفراد الطائفة فتستجيب لها وتؤدي وظائف محددة. تختلف الروائح التي تفرزها الملكة عن الروائح التي تفرزها الشغالة، ولكل منها وظائف خاصة بها.
منظر رائع لملكة النحل وحولها الشغلات
روائح الملكة : 
تفرز الملكة من غددها الفكية ( مادة ملكية ) تحتوي على عدد من الفيرومونات، وتفرز من غدد اخرى عدداً آخر منها تؤثر جميعها في تنظيم حياة الطائفة واستقرارها. ويتضح دورها الفعال في عصبية سلوك الشغالات وبناء بيوت ملكية عند غياب الملكة واختفاء آثارها من الخلية.
من هذه الروائح او الفيرومونات : - 
- الرائحة الرابطة : 9 - hydroxy – trans – 2 – decenoic acid 
تعمل الرائحة على ربط الشغالات بعضها ببعض داخل الخلية، وعلى تجميع الشغالات حول الملكة في أثناء طيران التطريد، ويؤدي تداولها بين أفراد الطائفة الى الشعور الدائم بوجود الملكة.
- الرائحة المانعة : 9 - keto – trans -2 – decenoic acid تمنع هذه الرائحة تطور مبايض الشغالات وتحوّلَها الى اُمهات كاذبة تضع بيضاً غير ملقح يُنتج الذكور، وتثبّط بناء بيوت ملكية لتربية ملكات جديدة. وتفرزها الملكة العذراء خارج الخلية لإثارة الذكور جنسياً، وجذب أكبر عدد منها في أثناء الطيران للحاق بها وتلقيحها، وقد يُسفر عن ذلك أن تتلقح من ( 17 ) ذكراً على مدى يومين.
- رائحة جذب الشغالات : 
تفرزها غدة ( كوشيفنكوف )، تقع في حجرة اللسع، تجذب الشغالات الوصيفات للإلتفاف حول الملكة وتغذيتها والعناية بها ؛ وإرشادها الى النخاريب الخالية المهيأة لوضع البيض.
روائح الشغالة : 
وتفرز غدد الشغالات عدداً من الروائح تؤثر في سلوك الأفراد وفي حياة الطائفة عموماً. ومن هذه الروائح :
- رائحة الطائفة : 
تفرزها غدة ( نازانوف ) الواقعة في أعلى الحلقة البطنية السابعة، تمثل ( الرائحةَ الخاصةَ بالطائفة ) وتختلف اختلافاً يسيراً عن غيرها في الطوائف الأخرى. يرتبط فرزها بالاحتياجات الفيزيولوجية للشغالة، ويبلغ الفرز ذروته عند السروح والتطريد.. توظف الشغالة ( رائحة الطائفة ) في تعرّف الأفراد بعضها الى بعض، وفي تمييز شغالات الطائفة من غيرها من شغالات غريبة، وفي جذب الشغالات المتدربة على الطيران والشغالات الحديثة السروح الى الدخول في الخلية، وتساعد في الوصول الى المصادر الغنية بالغذاء بعد أن تترك النحل المكتشفة جزءاً منها حول المصدر، فضلاً عن تجميع النحل المتناثرة في أثناء عملية التطريد للانضمام الى الطرد والاستقرار في مكان واحدة.
- رائحة الإنذار :
تفرزها غدد تقع في الفك العلوي وحجرة اللسع. تنبّه أفراد الطائفة على وقوع خطر على الخلية وتجنّدهم للدفاع عنها. تقوم بفرزها شغالات بعمر ثلاثة أسابيع وهي الفترة التي تمارس فيها حراسة الخلية، ثم يقل فرزها مع تقدمها في السن. ويتم الإنذار برفع الشغالة بطنها الى أعلى والكشف عن غددها في نهاية البطن وتحريك أجنحتها الى الخلف ونشر الرائحة في الخلية وما حولها، فتتهيأ الشغالات المقاتلات للسع وتستعد للدفاع عن خليتها.

هذه إشارات الى بعض السبل التي وضعها الله تبارك وتعالى، وأعدّ النحلة لتمضي فيها للوصول الى غايات من الرحمة والحكمة، رحمةٍ في تيسير الطعام لأعدادٍ لا تحصى من الأحياء، وحكمةٍ في تأمين شفاء للناس من أنواع من المرض.

هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فأَرُونِي مَاذا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. { لقمان : 11 }
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق