الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

فوائد الصلاة والصوم

لحمد لله الذي أمر عباده بطاعته وتقواه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعد من اتخذ إلهه هواه ، وأشهد أن محمداً عبده وخليله ومصطفاه ، عليه من ربه أعظم سلام وأفضل صلاة ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم نلقاه . . . أما بعد :

فإن مما تأسف له النفوس ، وتدمع له العيون ، وتتفطر له القلوب ، ما نشاهده من تهافت المسلمين على المساجد في صلاة المغرب فقط من شهر رمضان ، فيخرج الناس صغاراً وكباراً من بيوتهم بعد تناول شيئاً من إفطارهم لأداء صلاة المغرب ، حتى إن الكثير من المساجد لتحتاج إلى ضعف مساحتها لتسع المصلين ، فيخرج الجميع من بيوتهم مقبلين على ربهم لأداء أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، ألا وهي الصلاة ، التي هي فسطاط الإسلام وعموده الذي لا يقوم إلا به ، وما يفتأ المتابع لحال المسلمين في رمضان إلا ويفاجأ بتناقص أعداد المصلين حتى تنقضي الأيام الأول من رمضان ولا يجد تلك الجموع الغفيرة مقبلة على بيوت الله ، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، أو في بعض رمضان ، فرب رمضان هو رب باقي الشهور ، والله الذي أمر بالصلاة ، أمر بها في كل وقت وحين ولم يخصص لها شهراً معيناً ، أو يوماً مخصصاً ، قال تعالى : " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " [ النساء ] وقال تعالى : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة " فالصلاة واجبة على الأعيان وفق ما شرعه الله تعالى لعباده ، وما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، فأين أولئك القوم الذين يصلون أياماً من رمضان ثم يتركون الصلاة مع الجماعة ؟ راغبين عن فضل الله ، منساقين وراء أوهام وخرافات ، متبعين سنن المنافقين ، والأدهى من ذلك وأمر من لا نراه في المساجد لا في رمضان ولا في غيره ، فأين إسلام أولئك الناس ؟

إن عمل الناس اليوم في رمضان لهو دليل على استهتارهم بأوامر الله تعالى ، واستهزائهم بتعاليمه ، وتعد لحدوده ، وارتكاب لما حرم الله ، وتلاعب بأوامر الدين الحنيف ، وإلا كيف يليق بعاقل فطن يعلم علم يقين أن الله تعالى رتب على ترك الصلاة في الجماعة عقوبة وعذاباً أليماً ، ثم يتوانى عن أدائها في بيوت الله تعالى .

أيها الأخوة في الله الكل يدرك ويعلم علماً لا لبس فيه أن الصلاة ركن من أركان الإسلام وركيزة من ركائزه العظام وهي الفاصلة بين الإسلام والكفر وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين فكان من أهميتها وعظيم حقها عند الله تعالى أن فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم في أشرف مكان وأعلى بقعة وصل إليها إنسان ، فرضها في السماء حينما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ثم إلى السماء ، ولقد فرضها الله تعالى على نبيه خمسين صلاة فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه لقيه موسى عليه السلام فقال بماذا أمرك ربك ؟ قال : أمرني بالصلاة ، قال : وكم فرضها عليك ؟ قال خمسين قال : ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإن أمتك لن تطيق ذلك فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ، يسأله التخفيف ، فخفف عنه حتى بقيت خمس صلوات في اليوم والليلة .

فهذه خمس صلوات في اليوم والليلة فقليلاً من يحافظ عليها ووالله أن من حافظ على هذه الصلوات الخمس جماعة حيث ينادى لها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ووفق في أمور حياته وكان من الناجين وكان في ذمة رب العالمين
ولاشك أن وجوب الصلاة متعين على المسلم العاقل البالغ ذكراً وأنثى عبداً وحراً ولا تسقط بأي حال من الأحوال حتى في الحرب تحت أصوات القنابل والدبابات وأزيز الرصاص والطائرات ولا تسقط عن المريض ولا عن المسافر بل تصلى حسب حالة الإنسان ،الصيام يسقط لبعض الأعذار كمن يكون مريضاً مرضاً لا يستطيع معه أن يصوم فله الفطر ، فالمريض قد يسقط عنه الصوم دائماً أو مؤقتاً حسب حاله ، أما الصلاة فلا تسقط بحال ، والحج يسقط عمن لا يستطيع ومن لم تتوفر فيه شروطه المعتبرة ، والزكاة كذلك تسقط في أحوال ، أما الصلاة فإنها لا تسقط حتى لو أن الإنسان على فراشه لا يستطيع الحراك فيصلي حسب طاقته وحسب استطاعته ، فيصليها قائما ، فإن لم يستطع فقاعداً ، أو على جنب ، أو مستلقياً ، فإن لم يستطع بذلك كله نواها بقلبه ، فهي لا تسقط لمنزلتها العظيمة عند الله ، فهي الصلة بين العبد وربه سبحانه وتعالى ، فمن أراد النجاة والفوز والتوفيق فعليه بالصلاة .

أيها الأخوة الصائمون : الأمر عظيم والخطب جسيم ووالله إنه لأمر يندى له الجبين ، ويتفطر له القلب ، عندما يستهين كثير من الناس اليوم بالصلاة وأمرها حتى أنهم لا يجعلون لها ميزاناً ولا قدراً لديهم .
وهذا لا شك من الغفلة ، نعم من الغفلة المهلكة التي تهلك صاحبها ، وتعود عليه بالخاتمة السيئة والعياذ بالله ، قال صلى الله عليه وسلم : " بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة " ، وقال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " ، وقال الله تعالى في حق تارك الصلاة : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً } [ مريم 59 ] ، فالصلاة من أوثق عرى الدين، وأهم أركانه ودعائمه ، بل هي عموده الذي لا يستقيم ألا بها ، ولقد تواترت الأدلة الدالة على أهمية الصلاة ووجوب أدائها في جماعة المسلمين في بيوت الله تعالى ، وخطورة التهاون بها ، والتحذير من تركها أو التشاغل والتثاقل عنها وهذه بعض آيات ربنا تبارك وتعالى التي توجب الصلاة وتحذر من مغبة تركها ، يقول الله تعالى : { وأقيموا الصلاة } ، ويقول الله تعالى : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا } إلى قوله تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً } [ النساء 142 – 145 ] ، وقال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } [ البقرة 238 ] ، وقال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً }[النساء 103 ] .
والآيات في ذلك كثيرة معلومة مشهورة .

وأما الأحاديث التي تأمر بالصلاة وتحذر من تركها ، وتندد بصاحبها فكثيرة وسأسوق لكم طرفاً منها :
قال صلى الله عليه وسلم : " مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر " [ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ] ، وقال : " فإذا حضرت الصلاة ، فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي" [ أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من نام عن صلاة أو نسيها ، فليصلها إذا ذكرها "
[ أخرجه مسلم ] ، وقد نرى كثيراً من الناس اليوم يتهاونون بصلاة الجماعة ظناً منهم أنها ليست بواجبة وأن الإنسان تجزئه صلاته في بيته، وهذا ظن خاطئ لا توافقه الأدلة الصحيحة الصريحة، فلقد قال الله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح فيها بالغدو والآصال * رجال . . . } [ النور 36-37 ] ، إذاً الرجال هم المأمورون بأدائها في المساجد أما النساء فالأمر لهن بالستر والحياء والعفاف وعدم الاختلاط بالرجال ، ولا يكون ذلك إلا بتأديتها في بيتها، فمن صلى في بيته تاركاً الجماعة حيث يسمع النداء فقد وقع في عدة محاذير :
أولها : معصية لله تعالى :
فالله سبحانه يقول : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } وهذه الآية دلت عليها الآية السابقة : { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه } .
وقوله تعالى : { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } فأين يأتون ؟ لا شك أنهم يأتون إلى المساجد . فهذا أول محذور.
الثاني : مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
هذا هو المحذور الثاني وهو مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وعدم طاعة أمره حيث قال : " من سمع النداء بالصلاة فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر " [ أخرجه أهل السنن وصححه الألباني ] .
ثم ذلك الأعمى الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب رخصة في أن يصلي في بيته ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ولى : قال له : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم ، قال : أجب ، وفي رواية : " لا أجد لك رخصة " فهذا رجل أعمى ، كبر في سنه ، والمدينة كثيرة السباع والهوام ، وليس له قائد يقوده إلى المسجد ، وبيته بعيد عن المسجد ، ووالله إنها لأعذار فيما يبدو للرائي تبيح له أن يصلي في بيته ، ولكن لما جاء الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وجب امتثاله واتباعه فما بال صحيح البصر ، وقريب الدار ومن له وسيلة تنقله ، والطريق له منار ، وحالته سليمة صحيحة والطريق آمن لا سباع ولا هوام فهل لهذا من عذر في ترك الصلاة مع الجماعة ؟ حيث يسمع منادي الله ينادي كل يوم وليلة خمس مرات : الله أكبر . . أي أكبر من كل شيء ؟ أكبر من النوم ، أكبر من العمل ، أكبر من السهر ، أكبر من اللعب ؟ هل يليق بمن يسمع حي على الصلاة ؟ أن يتخلف عنها ؟ هل يعقل لمن يسمع حي على الفلاح ؟ أن يتثاقل عنها ؟ هل يقبل ممن يسمع الصلاة خير من النوم ؟ أن ينام عنها .
لا ينبغي لمن سمع ذلك أن يتكاسل عن الصلاة أو يهمل في إجابة داعي الله ، فتلك من أسباب عدم صحة الصلاة ، ومن أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله .
الثالث : التشبه بالنساء :
هذا هو المحذور الثالث لمن ترك الجماعة وصلى في بيته ، أنه متشبه بالنساء ، فالنساء مأمورات بالصلاة في البيوت أما الرجال فيصلون في المساجد، فاستحق المتخلف اللعنة كما قال صلى الله عليه وسلم : " لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء " [ متفق عليه ] .
فلا يعذر الرجل بحال عن ترك الجماعة ، و لهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " فقيل له : ياأمير المؤمنين ! ومن جار المسجد ؟ قال : " من سمع النداء " ، وقال أيضاً رضي الله عنه : " من سمع النداء فلم يأته لم تجاوز صلاته رأسه إلا بالعذر " .
واجتمع قول ابن عباس وابن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهم أنهم قالوا : " من سمع المنادي ثم لم يجبه من غير عذر فلا صلاة له " .
الرابع : النفاق :
اعلم أيها المسلم أن التخلف عن الصلاة أي صلاة الجماعة علامة من علامات النفاق ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فهيما لأتوهما ولو حبواً " [ أخرجه البخاري ] .
أي يعلمون ما فيها من الأجر العظيم والخير العميم ما تخلف عنها صحيح مقيم بلا عذر ، بل لأتوهما ولو حبواً على الركب .
ويقول ابن مسعود رضي الله عنه : " من سره أن يلقى الله مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وأنهن من سنن الهدى ، ولو صليتم في بيوتكم ، كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق " [ أخرجه مسلم ] .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " كنا إذا فقدنا الرجل عن صلاة العشاء وصلاة الفجر أسأنا به الظن " ، وقال عطاء وهو أحد التابعين : " كنا نسمع أنه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق " .
الخامس : الوعيد بالنار :
لقد جاء التهديد والتخويف والنذير لمن تخلف عن الصلاة في جماعة في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً أن يؤم الناس ثم أنطلق برجال معي معهم حزم من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة ، فاحرق عليهم بيوتهم " [ متفق عليه ] .
وفي رواية الأمام أحمد : " لولا ما فيهما من النساء والصبيان " ومعلوم أن الحرق لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب ، وهل هناك أكبر من أن يفقد الإنسان الصلة التي تربطه بربه سبحانه .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم فأحرق عليهم " [ صححه الألباني في سنن أبي داود ] .
فهل بعد هذه الأدلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، هل بعد ذلك يتخلف مسلم صادق في إسلامه عن الصلاة ؟ لا أظن ذلك ولكن الشيطان له مداخل يدخلها على العبد حتى يلبس عليه ويهون عليه أمر الصلاة فيتخلف عنها أو يتركها بالكلية نسأل الله السلامة .

ما يترتب على ترك الصلاة :
ترك الصلاة يترتب عليه عدة أمور ، كل أمر شر من الآخر ، وأعظم منه خطراً ، وأشد منه فتكاً بصاحبه ، فمن هذه الأمور :
(1) الاستهتار بأوامر الله تعالى :
إن تارك الصلاة مستهتر بالله وبأوامره ، ومعاند ومكابر ، فهو يريد غضب الله وعقابه ، ويبتعد عن رحمته ومغفرته ، فترك الصلاة خروج عن أدلة الكتاب والسنة الصحيحة وأقوال العلماء العاملين الذين هم ورثة الأنبياء ، وفي الاستهزاء بأوامر الدين كفر صريح مخرج من ملة الإسلام ، ثم أنت يامن تترك الصلاة ، تتركها عناداً وتكبراً على الله ، أتحسب أن الله لا يقدر على عذابك ؟ أم تحسب أنك ستخلد في هذه الحياة الدنيا ؟ أم تحسب أن ملك الموت سيستأذنك لقبض روحك؟ فالله قادر على عذابك أنت ومن في الأرض جميعاً ولكنه يمهل للظالم لعله أن يتوب ويرجع إليه سبحانه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } " [ هود 102 ، والحديث متفق عليه ] ، أتدري من تعصي أيها العاصي ؟ إنك تعصي جبّار السموات والأرض ، الذي قال سبحانه : { وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً } [ الجن 12 ] .
والقائل سبحانه : { وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون } [ الزمر 14 ] .
فأي عمل سينقذك من ربك سبحانه ، والله لو بقيت الليل والنهار ساجداً لله تعالى ما أديت حق شكر هذه النعم التي بين يديك ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجوا أحد منكم بعمله ، قالوا : ولا أنت يارسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدري ما يفعل الله به ولقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان ، فتقول له عائشة رضي الله عنها وعن أبيها ، مشفقة عليه " ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " فيرد قائلاً : " أفلا أكون عبداً شكوراً " ، هذا رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم يقوم لله تطوعاً رجاء رحمة الله تعالى ومغفرته ، وأنت يا مسكين يا من ضيعت الصلاة يا من قطعت الصلة بينك وبين ربك ، ماذا قدمت من الأعمال ؟ إنها فضيحة والله وعار ، أن يهبك الله عقلاً ويميزك عن الحيوان ، ويدلك على طريق الخير ، ويحذرك من طريق الشر ، ثم لا تكون عبداً شكوراً مصلياً لله راكعاً خاشعاً ساجداً لله وحده .
(2) الوصف القبيح :
يوصف تارك الصلاة بأقبح الأوصاف وأشنعها فيقال له : كافر ، فاسق ، مجرم ، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تليق إلا تبارك الصلاة .
(3) لا تحل ذبيحته :
تارك الصلاة كافر والكافر لا تحل ذبيحته بحال ، ولو ذبح يهودي أو نصراني لحلت ذبيحته .
(4) لا يُؤاكل ولا يُشارب ولا يُجالس :
بل الواجب أن يُبتعد عنه خوفاً من أن تقع العقوبة من الله فتلحق من كان محباً له ، ويؤاكله ويشاربه ، لأن تارك الصلاة كافر .
(5) لا أمان له ولا عهد ولا ذمة :
تارك الصلاة لا يمكن أن يؤتمن لأنه خان العهد الذي أخذه الله على بني آدم ، بأن لا يعبدوا إلا إياه وحده دون سواه ، قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } [ الأعراف 172 ] ، ولا عهد لتارك الصلاة ، ولا ذمة له فلو حلف الأيمان المغلظة لا يصدق ، لأنه كافر لا دين له ، ومن خان الله ورسوله ، سهل عليه أن يخون المسلمين ، فالواجب على المسلمين أن يحذروه كل الحذر ، ولا يُعهد إليه بشيء يكون أمانة عنده ، لأنه خان العهد والميثاق مع الله تعالى فمن باب أولى أن يخون المسلمين ويغشهم وينكر أماناتهم ، فمن لم يقم بحق الله فهو لحق غيره أضيع .
(6) لا تقبل له شهادة ، لأنه ليس بأهل لها :
(7) لا يرث ولا يورِّث :
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال : يا رسول الله أين تنزل في دارك بمكة ؟ فقال : " وهل ترك عقيل من رباع أو دور ؟ " ـ يعني أن عقيلاً ورثها من أبيه ـ وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي رضي الله عنهما شيئاً لأنهما كانا مسلمين ، وكان عقيل وطالب كافرين . فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " لا يرث المؤمن الكافر " قال بن شهاب : وكانوا يتأولون قول الله تعالى : " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض الآية " [ أخرجه البخاري ] .
(8) يفسخ عقد نكاح امرأته منه :
إذا ثبت تركه للصلاة فلا يحق لولي المرأة أن يبقي وليته تحت رجل كافر لا يصلي ، فإن ولد لهم أولاد والحالة ما ذكرنا فالأولاد أولاد زنا والعياذ بالله . قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } [ الممتحنة 10 ] . وقال تعالى : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون } [ البقرة 221 ] .
(9) لا ولاية له على أولاده :
فمن الشروط العامة الواجب توفرها في الحاضن ، الإسلام ، وتارك الصلاة غير مسلم ، فلا ولاية له على أولاده ، لأنه غير مؤتمن عليهم ، فقد خان الله ورسوله ، وليس ببعيد أن يخون ولا يته لأولاده ، ولهذا لا ولاية له على أولاده للخشية على المحضون من الفتنة في دينه ، لأنه قد ينشأ نشأة سيئة ، فيعتاد ترك الصلاة ، ويألف ذلك ، فكان من الواجب ألا يتولى حضانته إلا مسلماً ، وهذا مذهب الحنابلة والشافعية ، والحنفية ، وبعض فقهاء المالكية . واشترط العلماء أن يكون الحاضن أمين في دينه ، فلا حضانة لفاسق ، لأن الفاسق لا يؤتمن ، كمن يشرب المخدرات والمسكرات ، أو يتعامل بالسرقة ، أو يفعل الزنا ، واللهو المحرم ، فهذا لا يمكن بحال أن يتفرغ لحضانة الأطفال ، ولا يمكن أن يرعى شؤونهم ، بل هو بحاجة إلى رعاية أكثر من أطفاله [ الموسوعة الفقهية 17 / 305 ، 306 بتصرف ] .
(10) يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل مرتداً :
قال تعالى : " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " ، والآية تدل على أن من لم يصل ولم يزك فلا يخلى سبيله ، بل يسجن ويؤدب على ترك الصلاة ويستتاب على فعله ذلك ، فإن تاب وإلا قتل مرتداً ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " [ متفق عليه ] .
(11) مقره الدرك الأسفل من النار لأنه أعظم من المنافق :
المنافق يقوم بأداء الصلاة نفاقاً حتى لا يُكتشف أمره ، ومن المسلمين اليوم من لا يؤديها أبداً ، فهؤلاء كفار خارجون من الدين ، ومحكوم بكفرهم ، فإذا كان المنافق الذي يؤدي الصلاة نفاقاً في الدرك الأسفل من النار ، فهؤلاء الذين يدعون الإسلام وهو منهم براء ، لأشد عذاباً منهم ، نسأل العافية .
( 12) عدم قبول نفقته وصدقته :
وجميع ما يعمله من عمل لأنه كافر . قال تعالى : { وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون } [ التوبة 54 ] ، وقال تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } [ الفرقان 23 ] .
(13) حبوط عمله :
الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام ، وعمود من أعمدته التي لا يقوم إلا عليها ، فمن أسقط ذلك الأمر من الإسلام وتلك الشعيرة العظيمة من شعائرة فقد خرج من الإسلام فهو كافر ، محبوط العمل ، قال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [ آل عمران 85 ] ، وقال تعالى : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين } [ المائدة 5 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " .
(14) يلعنه كل شيء :
كل شئ في الأرض والسماء يلعنه لأن الله لعنه، لأنه قطع الصلة التي بينه وبين ربه . فإذا أكل الأكلة ، أو شرب الشربة لعنته وتقول : لعنك الله ، تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله .
ويقول له بيته : لا ردك الله ، ولا خلفك في أثرك ، ولا ردك إلى أهلك سالماً . كل شيء يلعنه لأنه ظالم ، والله تعالى يقول : { والكافرون هم الظالمون } [ البقرة 254 ] ، وقال تعالى : { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } [ الأعراف 44 ] .
(15) أحكامه الأخروية :
إذا مات تارك الصلاة فلا يغسل ، ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يخرج به إلى الصحراء ويحفر له حفرة ويقلب بها ويهال عليه التراب حتى لا يؤذي المسلمين برائحته . ثم يأتيه الملكان في قبره فيضربانه بمطرقة من حديد يغوص في الأرض سبعون ألف ذراع وسمع صراخه وصياحه كل الخلائق ما عدا الثقلين ويحرم على ولي الذي لا يصلي أن يقدمه للمسلمين ليصلوا عليه لأن ذلك خيانة لهم وكذب عليهم وكان الأجدر بوليه أن يناصحه ويحذره من عاقبة ترك الصلاة ، وأن يستعين بأهل العلم والدعاة وأئمة المساجد الموثوق بهم وبعلمهم في ذلك . قال تعالى : { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين } [ المدثر 42-43 ] .
فترك الصلاة سبب لسوء الخاتمة ودخول النار . فالأمر عظيم وخطير فمن ابتلي بترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها فليبادر بالتوبة النصوح قبل أن تغرغر الروح فحينها لا ينفع الندم والله عز وجل يفرح بتوبة عبده إذا تاب و من تاب تاب الله عليه ، والتوبة تجب ما قبلها ، والإسلام يهدم ما قبله ، فبادروا عباد الله بالتوبة قبل الموت فوالله إن أجسادكم على النار لا تقوى فلوذوا بعالم الجهر والنجوى، واحذروا طريق الغوى ، فنهايته نارٌ تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى .
فيا أيها المسلمون حافظوا على الصلوات ، ولو كنتم على الأسرة البيضاء ، ولو كنتم في حال الحرب ، فهي الصلة التي تربطكم بالله تعالى فارج الهم وكاشف الغم ومجيب دعوة المضطرين ، فعندما طعن فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أغمي عليه ، فقيل له ، وهو يثعب دماً : الصلاة يا أمير المؤمنين قال : نعم ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وجرحه يجري دماً .
ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت بالصلاة ، فقال : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " [ أخرجه الحاكم في المستدرك ، وابن ماجة وقال البوصيري في مصباح الزجاجة إسناده صحيح على شرط الشيخين ] .
وسبحان الله كيف فرط الناس اليوم أو أكثرهم في الصلاة من أجل متاع زائل من أمتعة الدنيا الفانية ، فتراهم أمام آلات الصرف الآلي وقت أداء الصلاة ، وأمام الشاشات لمشاهدة العاهرات والمسلسلات الفاضحات أو رؤية كومة من الجلد منفوخة ، والله يناديهم للفلاح والنجاح والنجاة من عذاب القبر والنار وهم لا هون غافلون غارقون في لجج المعاصي والآثام .
فبعض الناس لا يعرف الصلاة إلا في رمضان ، والبعض لا يعرف الصلاة لا في رمضان ولا في غيره ، فهؤلاء شرار الناس على الإطلاق ، وقد حكم الله بكفرهم وأنه لا يقبل منهم عمل ولا عدل ولا صرف ، وأعمالهم مردودة عليهم ، لأنهم قطعوا صلتهم بمن يقبل الأعمال ويجازي عليها بعظيم الثواب وجزيل العطايا ، قال تعالى : { وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون } [ التوبة 54 ] ، وقال تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً } [ الفرقان 23 ] ، والذي لا يعرف الله ولا يؤدي الصلاة إلا في رمضان فهو بأقبح المنازل ، وأسفل الدركات ، لأنه يخادع الله تعالى كما يخادع الصبيان ، فالله هو الذي أمر بالصلاة في رمضان وفي غيره ، فهو سبحانه رب رمضان ورب شعبان وشوال وكل الأيام والشهور والسنين والدهور ، ولا شك أن من لا يصلي إلا في رمضان أنه على خطر عظيم من أن يحكم بكفره ، لاستهزائه بربه تبارك وتعالى الذي قال : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين } [ التوبة 65-66 ] ، فحال من لا يصلي إلا في رمضان أنه يخادع الله تعالى كي يقبل منه صيامه لأنه صلى ، وهذا يتلاعب بدين الله تعالى ولا يقيم لله تعظيماً ، ولا يقدر لأوامره وزناً ، والله تعالى يقول في مثل أولئك الفئة من الناس : { يخادعون الله وهو خادعهم } [ النساء 142 ] ويقول تعالى : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } [ البقرة 8- 10 ] ، فعلى أولئك الناس أن يتوبوا إلى الله تعالى قبل أن ينزل بساحتهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ، حينها لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، لأنها لم تكسب في إيمانها خيراً ، ولم تعمل في حياتها براً ، فالمصير النار وبئس القرار ، فاتقوا الله يا من تسهرون الليالي وتنامون النهار ، ليس هذا هو المقصود من شهر الصيام ، وإنما المقصود تقوى الله تعالى ، بطاعته واجتناب معصيته ، حتى يفوز العبد برضى ربه ، ويقهر شيطانه ويدحر وسوسته له .
فالله الله عباد الله بالاهتمام بالصلاة ، إن أردتم الفوز بالجنة والنجاة من النار ، إن أردتم النصر على الأعداء ، واستعادة مقدساتكم الإسلامية التي تئن تحت وطأة اليهود والنصارى .
والله أعلى وأعلم ، وأجل وأحكم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، والقلب الأطهر ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق