الحب في القلب والزواج في المنزل!
بالعقل أو القلب نختار شريك العمر، ونبدأ في رسم صورة وردية ورائعة لهذا الشريك ربما تصل إلى حد المثالية، ثم تأتي المفاجأة على أرض الواقع حين نقف أمام صورة أخرى عكس ما كنا نعتقد ونتخيل! فنُصاب بالحيرة والألم، ونشعر بالمرارة التي تجعلنا نتساءل: ماذا نفعل؟ هل نمضي في حياتنا أم نتوقف ونعيد حساباتنا؟؟
وسقط القناع
ما قبل الزواج يرى الرجل في شريكة دربه زوجة مثالية؛ فهي صادقة ومخلصة وحنونة ومثقفة.. باختصار: هي كل شيء. ونفس الصورة تتكرر في عيون المرأة؛ حيث ينسج خيالها الأحلام، وتسهر الليالي في انتظار اليوم الذي يجمعها مع شريك العمر تحت سقفٍ واحد، ولكن بعد الزواج تنعكس الصورة ويحكي الواقع كلمته.
بدأنا جولتنا مع الأزواج الذين وقعوا ضحايا "الصورة المثالية"، بصوت تعلو نبراته الأسى والحسرة يحكي لنا "سامي.ن" تجربته: "بعد زواجي بأشهر انصدمت بامرأة أخرى؛ فالتي أمامي عصبية، متقلبة المزاج، تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وحاولت جاهدًا أن أتحملها علّها تتحسن وتعود إلى طبيعتها، ولكن الأمور كانت تزداد سوءا، فأيقنت أن الصورة التي رسمتها في خيالي صورة مزيفة".
لا للنساء
التجربة التي مر بها "جمال.ع" جعلته يرفع شعار "لا للنساء"، ويروي لنا السبب: "في فترة الخطبة عشت أجمل أيام عمري؛ فقد تجسدت أمامي امرأة مثالية؛ كانت رقيقة المشاعر، حنونة، ومحبة. ببساطة: كانت حلمًا رائعًا، ولكنه تحول بعد الزواج إلى كابوس؛ فالرقة غابت، وانطفأ الحب والحنان، وتحول بيتنا إلى جحيم، ولم أعد أحتمل، فانفصلت عنها بعد أربع سنوات من القهر والعذاب، وخرجت من هذه التجربة وأنا أكره النساء جميعهن".
ويرى "خالد حمدان" أن الرجل حين يكتشف أن زوجته عكس الصورة التي عرفها عليها قبل الزواج؛ فإن ذلك يعرضه للصدمة والتدمير النفسي.. ويستدرك: "ولكن على الرجل أن يتروى؛ فقد يكون هناك ثمّة صفات إيجابية لم يكتشفها بعد، ولا يوجد ما يسمى بالصورة المثالية؛ فالكمال لله وحده عز وجل".
ويؤكد "ياسر العف" أنه في فترة الخطبة تبالغ الفتاة بمظهرها وسعادتها الخارجية على حساب أي شيء آخر، في حين يُعطي الشاب أفضل ما عنده، وبعد الزواج يظهر كل طرف على حقيقته.
ومن جهته يدعو "سيف الدين شرف" الأزواج إلى ضرورة تحمل الزوجات؛ لأن المرأة هي الطرف الأضعف دومًا، وهي من تحتاج إلى مسايرة حتى لو اختلفت الصورة؛ فهناك أخطاء من الممكن معالجتها.
ورطة العمر
يستطيع الرجل بسهولة أن يستبدل بالصورة أخرى لو اكتشف زيفها، وربما بصور، إلى أن يحصل على ما يريد، ولكن الأمر يختلف تمامًا بالنسبة للمرأة التي ما إن تكتشف أنها أمام زوج مختلف عن الذي تعرفه حتى تصبر وتحتسب وتتألم بصمت، اقتربنا من الزوجات المخدوعات بحذر، سألناهن عن المعاناة التي تعتصر قلوبهن؛ فماذا كانت الإجابة؟؟
بعد شهر واحد من الزواج اكتشفت "رشا.م" أن الصورة التي رسمتها لفارس أحلامها خاطئة، وتقول: "صار يعاملني بقسوة وأنانية، ويغضب لأتفه الأمور، ويشتمني، ويضربني رغم أنني لم أفعل شيئًا أستحق عليه هذه المعاملة. ومع ذلك لم أفكر ولن أفكر في التخلي عنه؛ فلقد صار زواجي به واقعًا، وعليّ أن أتحمل وأصبر".
وتعاني "سهام.ل" من زوجها الذي اختلف كليًّا، وتقول: "كان رومانسيًّا هادئًا قبل الزواج، أما الآن فلقد أصبح جافًّا عصبيًّا، وحاولت تقويمه بكل السبل، لكنني فشلت، ولم أجد أمامي خيارًا سوى قبوله على علاته".
المرأة والألم
وتفسر "سلمى الشرفا" تمسك الزوجة بزوجها حتى لو اكتشفت أنه الشريك غير المناسب، قائلة: "المرأة بطبيعتها حين تتألم تتحمل، كما أن الظروف الاجتماعية التي نحياها لا تسمح للمرأة بأن تشكو، بل إن المجتمع يضعها في دائرة الاتهام دومًا، ويطالبها بأن تكون الطرف الذي يقود العلاقة الزوجية نحو النجاح".
ولكن "شيماء.ر" اتخذت قرارًا بالانسحاب، ووضعت حدًّا لحياتها الزوجية، وتعترف: "شعرت بأني وقعت في ورطة العمر؛ حيث وجدت نفسي أمام صورة مزيفة، ولما شعرت بالألم والعذاب طلبت الانفصال لأرتاح".
وبلهجة حاسمة غير مترددة تقول "سناء دلول": "إذا حدث واكتشفت الزوجة أنها أمام زوج تغيرت صورته إلى الأسوأ فعليها ألا تستمر في الحياة معه؛ فلا سبب يدعوها إلى البقاء مع الشخص غير المناسب".
دومًا هناك صورة مشرقة لا ينطفئ بريقها، وهناك أحلام لا تتبدل، تحتفظ بصدقها حتى لو اختلف الزمان والمكان. وهذا ما انطبق على الثنائي محمد الحلبي وزوجته رانيا، وعن هذه الصورة يتحدث لنا الزوج محمد: "زوجتي متدينة، وهذا أهم شرط وضعته عندما فكرت في الارتباط، والحمد لله رزقني الله بها. وأؤكد لكم أن تكون المرأة متدينة يعني أنها مثالية في تفاصيل حياتها، وعندما نعود إلى الدين نجد الحلول لكل مشكلاتنا اليومية التي نواجهها".
وتلتقط زوجته رانيا طرف الحوار لتكمل قائلة: "لم أصدم بزوجي بعد الارتباط به، ولم أكتشف فيه أية عيوب؛ ربما لأنه كان صريحًا وواضحًا معي قبل الزواج، وأنا لا أنكر أن هناك مشاكل تواجهنا، ولكننا بتبادل الحوار الهادئ والنقاش المتروي نصل إلى حلول وقرارات ترضيني وترضي زوجي، والأهم أنها ترضي الله عز وجل، وأنا أنصح الفتاة بأن ترتبط بالشاب المتدين الذي لن يظلمها، وكذلك الشاب عليه أن يظفر بذات الدين؛ فللأسف معظم شبابنا وشاباتنا يرسمون في خيالاتهم صورة لشريك حياتهم كالنماذج التي تعرضها الفضائيات، وهي نماذج لا تمُت لديننا ولا لأخلاقنا بصلة".
اختيار شريك العمر
ما المعايير الواقعية والعقلانية في اختيار شريك العمر؟؟ وكيف يؤثر اختلاف الصورة التي نسجها الأزواج والزوجات في خيالاتهم على الحياة الزوجية؟
أسئلة بسطناها على طاولة الأستاذ "درداح الشاعر" -المحاضر بقسم علم النفس بجامعة الأقصى بغزة- الذي استهل حديثه قائلا: "الاختيار السليم من البداية يجنب الأزواج والزوجات الوقوع في الخطأ، وأهم معيار يجب أن يضعه الشخص عندما يختار شريك حياته هو: الدين والأخلاق؛ فصاحب الدين سيتعامل مع الطرف الآخر باعتباره إنسانًا يصيب ويخطئ، يبكي ويفرح، يغضب ويهدأ، ولا وجود للصورة المثالية الكاملة، ومن هنا لا بد أن يكون الاختيار شرعيًّا، وإذا انحرف الشباب إلى معايير أخرى فسيعاني الزوج وستعاني الزوجة".
وفيما يختص بالصورة التي يرسمها الأزواج ومدى تطابقها أو اختلافها مع الواقع يؤكد "الشاعر" على أن الإنسان يجد نفسه أمام 3 احتمالات: الأول أن يجد ما يصبو إليه بدرجة أو أخرى، وهذا الأمر نادر الحدوث. والثاني أن يجد ما هو قريب مما رسمه. والثالث وهو محور حديثنا حيث الواقع مختلف كل الاختلاف عن الخيال؛ الأمر الذي قد تتولد عنه مشكلات كبيرة بين طرفي العلاقة؛ حيث تُصاب الروابط الأسرية بالتوتر النفسي والقلق الدائم، وربما تتدهور إلى درجة قد تصل إلى الطلاق".
تضحية وموازنة
"الحالة تحتاج إلى تضحية وتقديم قدر من الموازنة والمسايرة؛ فالحياة الزوجية أمان وسكينة، وعلى الشخص أن يكون واقعيًّا؛ فلا يمكن أن تتطابق صفات ما قبل الزواج مع ما بعده، فإذا اكتشف الزوج أن ثمة فجوة ما اجتماعية أو فكرية أو ثقافية في زوجته فعليه أن يبذل قصارى جهده، ويسخر كل مساعيه من خلال التفاهم والتحاور؛ لسد الهوة المتشكلة بين الواقع وبين ما هو متخيل، ونفس الأمر ينطبق على الزوجة؛ فعدم التغلب على هذه الحالة يخلق الشعور بالإحباط واليأس والكآبة وفقدان التوازن، خصوصًا إذا انعدم الأمل في حدوث تغيير؛ وهو ما يخلق بيئة خصبة لكل أنواع الخلاف والمشاكل.
وأخيرًا.. نصح "الشاعر" من يقفون على عتبة اختيار شريك العمر أن يسلكوا الأسس الصحيحة، وهي موجودة في الثقافة الزوجية الإسلامية التي تكفل لهم حياة زوجية صحيحة ناجحة يغلفها المودة والرحمة.
المقالة: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين المقالات | عناوين جميع المقالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق