الثالثة فجر الأربعاء، في الثاني من كانون الثاني 2002، للمرة الأولى منذ إنشائه، بدأت أجهزة الاستشعار الفضائي في مركز كرنيجي في باسادينا (كاليفورنيا)، التابع لوكالة الفضاء الأميركية Nasa، باستقبال رسالة من إحدى مخلوقات الفضاء الخارجي. وقد نُقِلَت على عجل، في سرية تامة، إلى البيت الأبيض والبنتاغون. ومن هناك سرَّبها "مصدر واسع الاطلاع". فيما يأتي نصُّها.
***
موضوع تم نشره في صحيفة نيوزويك
سلام، وكل عام وأنتم بخير.
نعرف تماماً أنكم تحتفلون هذه الأيام باستقبال سنة جديدة، بحسب التقويم الزمني الذي تعتمدونه على سطح كوكبكم الأزرق الجميل، وأنكم احتفلتم السنة الماضية، اعتماداً على هذا التقويم، بحلول الألفية الثالثة لحضارتكم على الأرض. ونحن، إذ نرسل إليكم هذه البطاقة، نتمنى لكوكبكم الازدهار، ولـ"نوعكم" الخير والاستمرار.
ربما ستتساءلون مَن نحن؟ ماذا نريد؟ ولماذا هذه البطاقة في هذا الوقت بالذات؟ أو ربما فوراً ستستنفرون عصبيَّاتِكم وترساناتِكم الحربية، حتى قبل إتمام القراءة. فلطالما ادَّعيتم، بصلافة وعجرفة لا مبرَّر لهما، فَرادَتكم في الكون، وتفوقكم المتكبِّر على سائر الكائنات، الأمر الذي دفعكم دائماً إلى إنكار وجودنا. حتى إن المرات القليلة التي اعترفتم فيها بنا (توظيفاً في أدبياتكم وفنونكم البصرية) إنما حاولتم تحويلنا (إلا فيما ندر) إلى كائنات دموية بشعة وشريرة تسعى دائماً وراء كوكبكم لتدميره.
على كل حال، ستفهمون فوراً لماذا لا يُسيئُنا ما تُضمِرون، ولماذا لا تستثير "عدوانيَّتُكم" تجاهنا – ونحن لم نلتقِ بعد – سوى السخرية، كيلا نقول الشفقة.
بدايةً، نطمئنكم أننا لا نريد بكم شراً. فكوكبكم أصغر من أن يعني لنا شيئاً: نقطة تافهة تدور حول نجم عادي يقع في مكان ناءٍ في واحدة من بين أكثر من مئة بليون مجرَّة! وأنتم، حكَّامُه، أتفه من أن يُبذَل جهدٌ في سبيلكم؛ خصوصاً أنكم، على ما يبدو، سائرون قدماً في تدميره، غير عابئين بجمال طبيعته المتنوعة الخلابة التي أنتجت "نوعاً" جديراً بالحياة – لولا انحراف قلَّة منكم استأثرتْ، بجشع فظيع، بموارده وثرواته.
نحن إذاً نرافقكم منذ البداية. نراقب تطوُّركم بصبر وصمت. نفرح لإنجازاتكم – وهي متواضعة على كل حال! – ونحزن للسقطات والهفوات – وما أكثرها! في كلا الحالين، تشدُّنا نحوكم عاطفةٌ نعترف أن لا سبب لها غير الافتتان بالأزرق الباهت يدور حول نفسه بهدوء، مؤدِّياً، بسلام وخشوع، صلاة رائعة لإله غامض.
افتتانٌ لطالما استحال دهشة وذهولاً حيال إصراركم على تدمير كلِّ جميل، بأشدِّ الأساليب بطشاً وأكثرها دموية، محوِّلين الأرض مقبرةً عظيمة لكلِّ الكائنات الجميلة التي قادتها مصادفةُ حظِّها العاثر للقائكم: من عصفور صغير ينشد الحرية، إلى سمكة تُراقِصُ، في عرس دائم، ماءَ الحياة، إلى كل الدواب السارحة بسلام في طبيعة لم تسلَم من اعتداءاتكم القاسية الغبية... هذا فضلاً عن بني جنسكم نفسه – وقد كتبتم له تاريخاً قاتماً بهيمياً، صفحاتُه المتوحشة السوداء تلوِّث البياض المتواري خجلاً، أو ربما رهبة.
ربما ستتوجَّسون من معايدتنا غير المألوفة. وربما سيكون ظهورُنا كابوساً لكم – أنتم الذين، منذ عصركم الحجري حتى اليوم، تعوَّدتم الاستفراد بالوجود والهيمنة عليه، سائرين به في نشاط محموم صوب العدم؛ كأنه قَدَرٌ مظلمٌ لكوكبٍ عمرُه 4،5 بلايين سنة أن ينتج في آخر بضعة ملايين من أعوامه (منذ فقط 1،8 مليون سنة) بشرية عنفية، غير متسامحة، ستشرع في قتلٍ لن يتوقف، وستؤجِّج حروباً تقضي على الملايين من أبناء جنسها بغطرسة وطمع وأنانية لا توصف.
قد تقولون إننا نغالي في شتمكم وإنزال المهانة بكم – أنتم الجنس المتفوِّق، الذكي، القوي، الذي اخترع أدياناً وعقائد تبجِّله وتجعله سيد المخلوقات والأكوان! لم تتعظوا بـ"صدمة" عدم مركزية "أرضكم" التافهة ودوران الشمس والكواكب حولها، وبحقيقة أنها ليست سوى نقطة تابعة لشمس منعزلة في مجرَّة مكتظة بملايين الشموس؛ مجرَّة هي، بدورها، تائهة بين مئات بلايين المجرَّات السابحة في اللامتناهي. ولم تتَّعظ شوفينيَّتكم بـ"صفعة" أنكم، وقد جعلتم أنفسكم على صورة الإله ومثاله، استيقظتم على حقيقة تحدُّركم من السلالة الحيوانية، وعلى حقيقة أن أمراضكم النفسية، وهلوسات شخصيَّتكم، والخلل الذي يصيبها أحياناً، لها أصل جزيئيٌّ (مادي)، وأنكم، في الحقيقة، تشتركون والشمبانزي في 99،6 بالمئة من الجينات الفعالة. لا بل تماديتم في نكران "دروس التواضع" البليغة هذه، فشرعتم، بكبرياء مزيفة ومجنونة، تستعمرون ضعفاءكم وفقراءكم، تبيدونهم أحياناً دون شفقة: مرة بحجة تفوُّق السيد الأبيض؛ وأخرى بحجة الحفاظ على صفاء العرق ونقائه؛ ومرات عدة دفاعاً عن أصنام وأديان ومعتقدات ترونها "مختارة" دون سواها؛ أو للفوز بسلطة قامعة للآخر "المختلف"؛ وغالباً من أجل الاستيلاء على ممتلكات وثروات، تنقلونها بتباهٍ، ودون خجل، إلى ترفكم الذي تكدِّسونه، حيث تمنعون ما تحتاج إليه قاراتٌ بأسرها للاستمرار فقط على قيد الحياة.
ومع ذلك، فنحن لا نبخس إنجازاتِكم حقَّها. فقد سيطرتم على كثير من الأوبئة والأمراض التي فتكتْ، على مدى عصور، بشكل الحياة على كوكبكم، فاستطعتم بمهارة وعزم تحسين شروط وجودكم، وأيضاً زيادة معدَّل الحياة (كم ستحسدوننا!). نقدِّر مساهمتكم في جعل الكوكب قرية واحدة، حيث طوَّرتم بشكل ملحوظ وسائل المخاطبة والاتصال في ما بينكم، والمواصلات ووسائلها، قافزين بنجاح فوق العقبات الجغرافية والمكانية.
هذه جميعاً أمور جيدة تستحق التهنئة – وإن كان تطوُّركم التكنولوجي ما زال عاجزاً، حتى اليوم، عن الاتصال بنا ومتابعة حضارتنا السلمية المستقرة منذ ملايين السنين. فهو غارق في ابتداع أساليب الدمار والتفنُّن فيه، واستنباط "الأعداء" وملاحقتهم وسوقهم إلى "عدالتكم" الثأرية، في مشهديَّة سينمائية باهظة، فيما أطفال قارات برمَّتها مهدَّدون بخطر الجوع والمرض والموت. تتجاهلونهم لأنهم فقراء، أو ملوَّنون، أو لأنهم من دين آخر. وما المجاعات التي عمَّت مناطق عديدة على أرضكم، في أكثر من فترة، إلا نتاج عبقريتكم وعدالتكم في توزيع الثروة. لقد عمدتم إلى تهميش شعوب وأوطان، ومنعتم عنها حق المعرفة، بغية استمرار نهبها ووضع اليد على خيراتها. وما التمييز الفظيع بين المرأة والرجل إلا نتاج حضارتكم الإنسانية "الراقية" التي قسَّمت العمل والمجتمع، فضمَّت المرأة إلى قائمة الممتلكات الذكورية. وما اعتداؤكم القاسي على الطبيعة ومحاولة إخضاعها، بالقضاء على الغابات وتلويث البيئة والإفراط في استعمال الغازات الثاقبة لطبقة الأوزون، إلا نتاج جشعكم وهرولتكم لجني أكبر قدر من الأرباح في أقصر وقت ممكن، بغضِّ النظر عن النتائج الوخيمة المترتبة عن ذلك في المستقبل – هذا من دون تذكيركم بالحروب الهمجية الكثيرة التي تملأ كتب تاريخكم، والأسلحة الفتَّاكة المختلفة التي تفتَّقتْ عبقريتُكم عنها!
فكانت أديانكم ومعتقداتكم هي أهم اختراعاتكم الفيزيائية، حين أثبتُّم أن الطاقة الكامنة في صدر "حاقد ديني" تعادل ما باستطاعته تدمير أبراج معلَّقة. ولعلكم تتباهون أن تاريخكم المكتوب، إلى اليوم، هو تاريخ هذه المعتقدات الغريزية التي تدعو إلى المحبة والسلام وقيم العدالة والأخلاق والتسامح في الكتب، وإلى الحقد والكره والاضطهاد والتعصُّب والانغلاق والقتل والتنكيل والحرب والدمار في الواقع؛ حيث برهنتم، مرة أخرى، عن قوة فيزيائكم الناجحة في تصميم المولِّد الدائم للغرائز، الذاتي الحركة، من دون الاستعانة بالمعادلات الكوانتية المعقَّدة.
كم أنتم مثيرون للشفقة! تخترعون، وتموتون في سبيل ما سيعيد إنتاج موتكم، مراراً وتكراراً، من دون أن تغيِّروا فاصلة صغيرة، كمثل طفل صغير يتسلق بعناد كرسياً عالياً، إلى أن يرتطم بالأرض بقوة، وقد أدماه الكرسي الذي سحقه.
تأخَّرنا سنة قبل تهنئتكم بالألفية الثالثة؛ فعذراً! كنا نظن أن هذه المناسبة ستدفعكم إلى التأمل في مصيركم وفي خطورة الطريق الذي تسلكون. لكم كانت خيبة أملنا كبيرة! فقد كانت سنة للجنون افتتحتم بها ألفية جديدة بأكثر الأفكار بدائية، وأكثر الأفعال بربرية.
عجباً، كيف لا تبنون حضارة واحدة! كوكبكم يتَّسع للجميع، وخيراتُه، إذا وُزِّعت جيداً، ستعمُّ الجميع. وعند ذاك سوف تستطيعون العيش في بحبوحة وكفاية وسلام، من دون حوافز للقتل والسرقة والعنف والبغضاء – وهي جميعاً آفات يسهل التخلص منها إذا نظرتم ببصيرة واعية واتَّعظتم بالكون الوسيع الذي يحيطكم بتواضع وحكمة.
كلمة أخيرة إلى الإدارة الأميركية:
لطالما اعتبرتم أنفسكم زعماء العالم الحر. واليوم، بعد تفرُّدكم بقيادة الكوكب وإخضاعه لمشيئتكم السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والعسكرية، نستطيع اعتباركم الطرف الوحيد المسؤول أمامنا عن مصير الأرض. وبصفتكم هذه، قرَّرنا إعطاءكم مهلة أخيرة للبدء بتحقيق العدالة والمساواة بين شعوب هذا الكوكب، وإنهاء التمييز في ما بينهم، وإتاحة الفرص لهم لممارسة حقِّهم في الحياة، ليقدِّموا أفضل ما لديهم – طبعاً بعد إعطائهم الحق في الاستقلال وفي إدارة شؤونهم وتقرير مصائرهم بديموقراطية حقيقية، بلا إكراه أو تبعية. ونطالبكم بوقف التعدِّي على البيئة والطبيعة، حفاظاً على مستقبل الأجيال المقبلة، ولمَ لا الشروع في تأسيس "أخوية البشر" (لا مانع، تحت قيادتكم) الخالية من الاستغلال والحسد والفساد والتوتاليتارية التي تفرمل كل خَلْق وخُلُق.
نأمل أن تحمل بطاقة السنة المقبلة تهنئة لكم على ما حقَّقتموه. هي مهلة أخيرة يُستحسَن عدم إهمالها؛ فنحن أقرب مما تظنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق