كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون : أن الجسم كله حساس للآلام، ولم يكن واضحاً لأحد يومذاك أن هناك أعصاباً متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الألم، حتى كشف علم التشريح اليوم دور النهايات العصبية المتخصصة في نقل أنواع الآلام المختلفة.
وسنرى فيما يعرضه هذا البحث من الحقائق العلمية مايناقض ذلك الاعتقاد الذي كان سائداً وقت التنزيل وإلى زمن قريب جداً. وبمقارنة تلك الحقائق العلمية مع ماورد في القرآن الكريم من الإشارات العلمية حول الجلد وكونه مختصاً بنقل الإحساسات المتنوعة؛ يتأكد لنا أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله خالق الكون ومبدع الإنسان وأنه هو الذي أوحى بتلك الحقائق إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
النصوص التي وردت في الموضوع :
قال الله تعالى عن عذاب الكافرين يوم القيامة :
{إنَّ الذٌينّ كّفّرٍوا بٌآيّاتٌنّا سّوًفّ نٍصًلٌيهٌمً نّارْا كٍلَّمّا نّضٌجّتً جٍلٍودٍهٍمً بّدَّلًنّاهٍمً جٍلٍودْا غّيًرّهّا لٌيّذٍوقٍوا العّذّابّ إنَّ اللَّهّ كّانّ عّزٌيزْا حّكٌيمْا} (النساء: 56).
وقال تعالى :
{وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّهٍمً} ( محمد : 15 ).
تفسير الآية الأولى :
قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {سوف نصليهم ناراً} سوف ننضجهم في نار يصلون فيها،أي يشوون فيها، {كلما نضجت جلودهم} كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت {بدلناهم جلوداً غيرها} يعني غير الجلود التي قد نضجت فانشوت {ليذوقوا العذاب} فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوا في الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها (1).
وقال الزمخشري : ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: «أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه»(2).
تفسير الآية الثانية :
قال القرطبي : {وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا} أي حاراً شديد الغليان إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاء هم وأخرجها من دبورهم .
والأمعاء : جمع مِعًـى ، والتثنية : مِعَيَانْ ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا(1) .
وقال الطبري : وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاء هم(2)، كما ذكر مثله الشوكاني في فتح القدير، (3) وابن كثير في تفسيره (4) .
الجلــد وعذاب النار
الحقائق العلمية حول الجلد :
إذا ألقينا نظرة على خارطة الجلد نجد قدرة الخالق جل وعلا تتجلى في الشكل البديع(1) (انظر الشگل رقم1) الذي يوضح كيف تتوزع أعصاب الإحساس في جلد الإنسان حيث نجد أن هناك مايقرب من خمسة عشر مركزاً لمختلف أنواع الإحساس العصبي قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح ، وقد حمل بعضها أسماء مكتشفيها .
وقد قسم علماء الطب الإحساس إلى ثلاث مستويات: أ - إحساس سطحي .
ب - إحساس عـمـيـق .
جـ - إحساس مركـــب .
ويختص الإحساس السطحي باللمس والألم والحرارة؛ أما الإحساس العميق : فيختص بالعضلات والمفاصل . أي إحساس الوضع أو التقبل الذاتي (PROPRIOCEPTION ). وكذلك ألم العضلات العميق وتحســس الاهتزاز (PALLESTHESIA ).
والآلية الحسية لكلا الإحساسين : السطحي والعميق، تشمل التعرف وتسـمية الأشـياء المعروفة والموضوعة في اليد، أي حاسـة معرفة الأشـياء باللمـس) STEREOGNOSIS ). وكذلك حاسة الإدراك الموضعي ( TOPOGNOSIS )، أي المقدرة على تحديد مواضع الإحساس أو التنبيه الجلدي .
والإحساس باللمس : أي معرفة الأشياء باللمـس ؛ ويعتمد على سـلامة قشرة المخ ، أو لحاء المخ .
وهناك مايعرف بتقسيم د. هد ( HEAD, S CLASSIFICATION ) حيث قسم الإحساس الجلدي إلى مجموعتين :
إحساس دقيق (EPICRITIC ) يختص بتمييز حاسة اللمس الخفيف والفرق البسيط في الحرارة .
وإحساس أولي (PROTOPATHIC ) ويختص بالألم ، ودرجة الحرارة الشديدة .
وكل إحساس منهما : يعمل بنوع مختلف من الوحدات العصبية ، وقد بنى استنتاجه هذا على ملاحظاته لتجدد الأعصاب ؛ الذي يعقب الإصابة ، حيث وجد أن الإحساس الأولي (PROTOPATHIC ) يعود سريعاً أي خلال عشرة أسابيع ، بينما الإحساس الدقيق يبقى معطلاً لمدة سنة أو سنتين ، أو ربما لايعود نهائياً .
خلايا التغيرات البيئية :
توجد خلايا مخصصة لاكتشاف التغيرات الخاصة في البيئة (RECEPTORS)، وهي تنقسم إلى أربعة أنواع :
ü خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية :(EXTEROCEPTORS)، وهي مخصصة لحاسة اللمس، وتشتمل على جسيمات (مايسنر) (MEISSNERS CORPUSCLES ) وجســــــــــيمات (ميرگل) (MERKELS CORPUSCLES ) .
خلايا الشعر ، ونهاية بصيلات كروز :
( ERAUSE END BULBES )، وهي مخصصة للبرودة .
اسـطوانات روفيني :
,(RUFFINI, S CYLINDERS)وهي مخصـصة للحرارة .
نهايات الأعصاب الإرادية أو الحرة للإحساس بالألم .
الأشكال توضح نهايات العصب الحسي وهي متقبلات خارجية (مستقبلات)
وقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جداً، كما بين الطريقَ الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارة حيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL CORD ) وبعده إلى المخيخ (CEREBELLUM ) ثم إلى الدماغ المتوسط (MID BRAIN) ومنه إلى المهاد ( THALAMUS ) ثم إلى تلافيف الفص المهادي للمخ (GYRUS OF PARIETAL LOBE ) .
ونخلص من هذا إلى أن الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم ، نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة . انظر شگل (3، 4).
درجات الحروق وأنواعها :
لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى ، وحروقاً من الدرجة الثانية .
وجميعها تنقـسم إلى حروق سـطحية، وحروق عـميقـة، ثم حروقا من الدرجة الثالثة .
ولو ألقينا نظرة إلى مايصيب الجلد نتيجة لهذه
الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة
الأولى تصـيب طبقة البشرة القرنية ، وتظهر على هيئة التهاب جلدي .
ويسمى أيضاً الحرق الحمامي ، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية ، ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام .
ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها ، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام ، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسياً وجافاً .
وفي هذه الحالة فإن المصاب لايحس بالألم كثيراً؛ لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق .
ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية ، وهي تنقسم إلى قسمين :
1- سطحي .
2- عمـــيق .
يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج ، وكذلك الأدمة -طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة .
ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة ، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات (1)مابين هاتين الطبقتين ، وتتكون كذلك النفط (2) تحت البشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم؛ نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة . ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد .
الأحشاء وعذاب يوم القيامة :
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن
طريق الجلد ، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر ، عن طريق سقيهم بماء حميم؛ إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم. قال تعالى : {وسقوا ماء ً حميما فقطَّع أمعاء هم} ( محمد :15).
لقد كشف علم التشريح أن الأمعاء الدقيقة هي أطول جزء في الجهاز الهضمي - يصل طولها إلى خمسة أمتار- ويتكون جدارها من ثلاث طبقات :
1 ـــ الطبقة الخارجية :
وهي الطبقة المصلية : وهي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي .
2 ـــ الطبقة الوسطى :
وهي الطبقة العضلية ؛ التي تتكون بدورها من طبقتين:
أ ـــ طبقة خارجية : تتكون من عضلات طولية .
ب ـــ طبقة داخلية : تتكون من عضلات دائرية .
3 ـــ الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية :
وتتكون من صفيحة عضلية مخاطية ، ونسيج تحت الغشاء المخاطي ، وثنايا دائرية أو حلقية محملة بالزغب ؛ وتحتوي على غدد معوية وحويصلات لمفاوية.
ونجد أن هذا الإبداع الإلهي في التكوين والتركيب جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها ؛ التي يمكن أن تحدث آلاماً ، منها آلام الإحساس بالحرارة .
فتجويف البطن مبطن بالبريتون ( الصفاق ) الذي يبلغ حجمه (20400 سم مكعب) ويساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم، وهو مايسمى بالصفاق الجداري. وأما الذي يغطي الأحشاء ، فإنه يسمى الصفاق الحشوي .
هذا الشكل يوضح طبقات الأمعاء الدقيقة وتركيب الزغابات المعوية
أما الجزء الموجود بين الصفاق الجداري والطبقة المصلية للأحشاء فيسمى المساريقا ، وبه عدد كبير من جسيمات ( باسينى ) .
والمساريقا تشبه الصفيحة المكونة من ورقتين مزدوجتين تمر بينهما الأعصاب والأوعية اللمفاوية والدموية.
فمتـلقـيات الألـم ( RECEPTORS ) والوحــدات الحـسـية الأخــرى الموجودة في الأحشاء تشبه تلك الموجودة في الجلد ، لكن هناك اختلافات بينة في توزيعها .
فالأحشاء لايوجد بها أعصاب التقبل الذاتي
PROPPIOCEPTORS))، ولكن يوجد فيها عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة واللمس . لذا فإنه عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي ، ويفتح البطن ونمسك الأمعاء أو نقطعها أو حتى نحرقها لاينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بألم .
ولكن عندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان )(1) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء والغني بالأعصاب الحاسة فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده .
أوجـــــــــه الإعجاز :
(أ) - بين الله سبحانه وتعالى أن الجلد هو محل العذاب فربط جل وعلا بين الجلد والإحساس بالألم في قوله تعالى :
{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} فتبين بذلك أن الجلد وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار .
وأنه حينما ينضج الجلد ويحترق ويفقد تركيبه ووظيفته ويتلاشى الإحساس بألم العذاب يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب تام الوظيفة ، تقوم فيه النهايات
العصبية ــ المتخصصة بالإحساس بالحرارة و بآلام الحريق ــ بأداء دورها ومهمتها ؛ لتجعل هذا الإنسان الكافر بآىات الله تعالى يذوق عذاب الاحتراق بالنار .
ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارة وآلام الحريق لاتوجد بكثافة إلا في الجلد ، وما كان بوسع أحد من البشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً ... وهكذا تتجلى المعجزة وتظهر آيات الله تعالى .
(ب) - هدد القرآن الكريم الكفار بالعذاب بماء حميم يقطع أمعاء هم ، واتضح السر في هذا التهديد أخيراً باكتشاف أن الأمعاء لاتتأثر بالحرارة ، ولكنها إذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلى البريتون الجداري ؛ الذي يغذى بأعصاب الجدار التي تغذي الجلد ، وعضلات الصدر والبطن، وتتأثر هذه الأعصاب باللمس أو الحرارة فيسبب الحميم بعد تقطيع الأمعاء أعلى درجات الألم .
أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف عن ذلك لاختلاف طبيعة تركـيب الجلد ، فلا يكون استمرار الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج إلا بتجديد جلد جديد .
فاختلاف الوصف لكيفية تحقيق العذاب بالنار من الخارج : عن طريق تبديل الجلد كلما نضج، ومن الداخل : بتقطيع الأمعاء بالحميم ، والذي أثبته العلم الحديث يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم في هذين المجالين .
ذلك أن القرآن الكريم كلام الخالق العليم الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان وأسراره.
وسنرى فيما يعرضه هذا البحث من الحقائق العلمية مايناقض ذلك الاعتقاد الذي كان سائداً وقت التنزيل وإلى زمن قريب جداً. وبمقارنة تلك الحقائق العلمية مع ماورد في القرآن الكريم من الإشارات العلمية حول الجلد وكونه مختصاً بنقل الإحساسات المتنوعة؛ يتأكد لنا أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله خالق الكون ومبدع الإنسان وأنه هو الذي أوحى بتلك الحقائق إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.
النصوص التي وردت في الموضوع :
قال الله تعالى عن عذاب الكافرين يوم القيامة :
{إنَّ الذٌينّ كّفّرٍوا بٌآيّاتٌنّا سّوًفّ نٍصًلٌيهٌمً نّارْا كٍلَّمّا نّضٌجّتً جٍلٍودٍهٍمً بّدَّلًنّاهٍمً جٍلٍودْا غّيًرّهّا لٌيّذٍوقٍوا العّذّابّ إنَّ اللَّهّ كّانّ عّزٌيزْا حّكٌيمْا} (النساء: 56).
وقال تعالى :
{وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّهٍمً} ( محمد : 15 ).
تفسير الآية الأولى :
قال الطبري في تأويل قوله تعالى: {سوف نصليهم ناراً} سوف ننضجهم في نار يصلون فيها،أي يشوون فيها، {كلما نضجت جلودهم} كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت {بدلناهم جلوداً غيرها} يعني غير الجلود التي قد نضجت فانشوت {ليذوقوا العذاب} فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوا في الدنيا يكذبون آيات الله ويجحدونها (1).
وقال الزمخشري : ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كقولك للعزيز: «أعزك الله أي أدامك على عزك وزادك فيه»(2).
تفسير الآية الثانية :
قال القرطبي : {وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا} أي حاراً شديد الغليان إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رؤوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاء هم وأخرجها من دبورهم .
والأمعاء : جمع مِعًـى ، والتثنية : مِعَيَانْ ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا(1) .
وقال الطبري : وسقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حره فقطع ذلك الماء من شدة حره أمعاء هم(2)، كما ذكر مثله الشوكاني في فتح القدير، (3) وابن كثير في تفسيره (4) .
الجلــد وعذاب النار
الحقائق العلمية حول الجلد :
إذا ألقينا نظرة على خارطة الجلد نجد قدرة الخالق جل وعلا تتجلى في الشكل البديع(1) (انظر الشگل رقم1) الذي يوضح كيف تتوزع أعصاب الإحساس في جلد الإنسان حيث نجد أن هناك مايقرب من خمسة عشر مركزاً لمختلف أنواع الإحساس العصبي قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح ، وقد حمل بعضها أسماء مكتشفيها .
وقد قسم علماء الطب الإحساس إلى ثلاث مستويات: أ - إحساس سطحي .
ب - إحساس عـمـيـق .
جـ - إحساس مركـــب .
ويختص الإحساس السطحي باللمس والألم والحرارة؛ أما الإحساس العميق : فيختص بالعضلات والمفاصل . أي إحساس الوضع أو التقبل الذاتي (PROPRIOCEPTION ). وكذلك ألم العضلات العميق وتحســس الاهتزاز (PALLESTHESIA ).
والآلية الحسية لكلا الإحساسين : السطحي والعميق، تشمل التعرف وتسـمية الأشـياء المعروفة والموضوعة في اليد، أي حاسـة معرفة الأشـياء باللمـس) STEREOGNOSIS ). وكذلك حاسة الإدراك الموضعي ( TOPOGNOSIS )، أي المقدرة على تحديد مواضع الإحساس أو التنبيه الجلدي .
والإحساس باللمس : أي معرفة الأشياء باللمـس ؛ ويعتمد على سـلامة قشرة المخ ، أو لحاء المخ .
وهناك مايعرف بتقسيم د. هد ( HEAD, S CLASSIFICATION ) حيث قسم الإحساس الجلدي إلى مجموعتين :
إحساس دقيق (EPICRITIC ) يختص بتمييز حاسة اللمس الخفيف والفرق البسيط في الحرارة .
وإحساس أولي (PROTOPATHIC ) ويختص بالألم ، ودرجة الحرارة الشديدة .
وكل إحساس منهما : يعمل بنوع مختلف من الوحدات العصبية ، وقد بنى استنتاجه هذا على ملاحظاته لتجدد الأعصاب ؛ الذي يعقب الإصابة ، حيث وجد أن الإحساس الأولي (PROTOPATHIC ) يعود سريعاً أي خلال عشرة أسابيع ، بينما الإحساس الدقيق يبقى معطلاً لمدة سنة أو سنتين ، أو ربما لايعود نهائياً .
خلايا التغيرات البيئية :
توجد خلايا مخصصة لاكتشاف التغيرات الخاصة في البيئة (RECEPTORS)، وهي تنقسم إلى أربعة أنواع :
ü خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية :(EXTEROCEPTORS)، وهي مخصصة لحاسة اللمس، وتشتمل على جسيمات (مايسنر) (MEISSNERS CORPUSCLES ) وجســــــــــيمات (ميرگل) (MERKELS CORPUSCLES ) .
خلايا الشعر ، ونهاية بصيلات كروز :
( ERAUSE END BULBES )، وهي مخصصة للبرودة .
اسـطوانات روفيني :
,(RUFFINI, S CYLINDERS)وهي مخصـصة للحرارة .
نهايات الأعصاب الإرادية أو الحرة للإحساس بالألم .
الأشكال توضح نهايات العصب الحسي وهي متقبلات خارجية (مستقبلات)
وقد أثبت التشريح أن الألياف العصبية الخاصة بالألم والحرارة متقاربة جداً، كما بين الطريقَ الذي تسلكه الألياف العصبية الناقلة للألم والحرارة حيث تدخل النخاع الشوكي (SPINAL CORD ) وبعده إلى المخيخ (CEREBELLUM ) ثم إلى الدماغ المتوسط (MID BRAIN) ومنه إلى المهاد ( THALAMUS ) ثم إلى تلافيف الفص المهادي للمخ (GYRUS OF PARIETAL LOBE ) .
ونخلص من هذا إلى أن الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم ، نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة . انظر شگل (3، 4).
درجات الحروق وأنواعها :
لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى ، وحروقاً من الدرجة الثانية .
وجميعها تنقـسم إلى حروق سـطحية، وحروق عـميقـة، ثم حروقا من الدرجة الثالثة .
ولو ألقينا نظرة إلى مايصيب الجلد نتيجة لهذه
الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة
الأولى تصـيب طبقة البشرة القرنية ، وتظهر على هيئة التهاب جلدي .
ويسمى أيضاً الحرق الحمامي ، وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية ، ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام .
ولو انتقلنا إلى حروق الدرجة الثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها ، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام ، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسياً وجافاً .
وفي هذه الحالة فإن المصاب لايحس بالألم كثيراً؛ لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق .
ونعود الآن إلى حروق الدرجة الثانية ، وهي تنقسم إلى قسمين :
1- سطحي .
2- عمـــيق .
يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج ، وكذلك الأدمة -طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة .
ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة ، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات (1)مابين هاتين الطبقتين ، وتتكون كذلك النفط (2) تحت البشرة وهي مليئة بسوائل تشبه سوائل البلازما أو مصل الدم ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم؛ نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة . ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد .
الأحشاء وعذاب يوم القيامة :
وكما يتعرض الكفار لعذاب النار من الخارج عن
طريق الجلد ، فإنهم يتعرضون لعذاب داخلي من نوع آخر ، عن طريق سقيهم بماء حميم؛ إذا دنا منهم شوى وجوههم ووقعت فروة رءوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم. قال تعالى : {وسقوا ماء ً حميما فقطَّع أمعاء هم} ( محمد :15).
لقد كشف علم التشريح أن الأمعاء الدقيقة هي أطول جزء في الجهاز الهضمي - يصل طولها إلى خمسة أمتار- ويتكون جدارها من ثلاث طبقات :
1 ـــ الطبقة الخارجية :
وهي الطبقة المصلية : وهي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي .
2 ـــ الطبقة الوسطى :
وهي الطبقة العضلية ؛ التي تتكون بدورها من طبقتين:
أ ـــ طبقة خارجية : تتكون من عضلات طولية .
ب ـــ طبقة داخلية : تتكون من عضلات دائرية .
3 ـــ الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية :
وتتكون من صفيحة عضلية مخاطية ، ونسيج تحت الغشاء المخاطي ، وثنايا دائرية أو حلقية محملة بالزغب ؛ وتحتوي على غدد معوية وحويصلات لمفاوية.
ونجد أن هذا الإبداع الإلهي في التكوين والتركيب جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها ؛ التي يمكن أن تحدث آلاماً ، منها آلام الإحساس بالحرارة .
فتجويف البطن مبطن بالبريتون ( الصفاق ) الذي يبلغ حجمه (20400 سم مكعب) ويساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم، وهو مايسمى بالصفاق الجداري. وأما الذي يغطي الأحشاء ، فإنه يسمى الصفاق الحشوي .
هذا الشكل يوضح طبقات الأمعاء الدقيقة وتركيب الزغابات المعوية
أما الجزء الموجود بين الصفاق الجداري والطبقة المصلية للأحشاء فيسمى المساريقا ، وبه عدد كبير من جسيمات ( باسينى ) .
والمساريقا تشبه الصفيحة المكونة من ورقتين مزدوجتين تمر بينهما الأعصاب والأوعية اللمفاوية والدموية.
فمتـلقـيات الألـم ( RECEPTORS ) والوحــدات الحـسـية الأخــرى الموجودة في الأحشاء تشبه تلك الموجودة في الجلد ، لكن هناك اختلافات بينة في توزيعها .
فالأحشاء لايوجد بها أعصاب التقبل الذاتي
PROPPIOCEPTORS))، ولكن يوجد فيها عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة واللمس . لذا فإنه عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي ، ويفتح البطن ونمسك الأمعاء أو نقطعها أو حتى نحرقها لاينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بألم .
ولكن عندما تتقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان )(1) الذي ينفذ منها إلى التجويف المحيط بالأحشاء والغني بالأعصاب الحاسة فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده .
أوجـــــــــه الإعجاز :
(أ) - بين الله سبحانه وتعالى أن الجلد هو محل العذاب فربط جل وعلا بين الجلد والإحساس بالألم في قوله تعالى :
{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} فتبين بذلك أن الجلد وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار .
وأنه حينما ينضج الجلد ويحترق ويفقد تركيبه ووظيفته ويتلاشى الإحساس بألم العذاب يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب تام الوظيفة ، تقوم فيه النهايات
العصبية ــ المتخصصة بالإحساس بالحرارة و بآلام الحريق ــ بأداء دورها ومهمتها ؛ لتجعل هذا الإنسان الكافر بآىات الله تعالى يذوق عذاب الاحتراق بالنار .
ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارة وآلام الحريق لاتوجد بكثافة إلا في الجلد ، وما كان بوسع أحد من البشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً ... وهكذا تتجلى المعجزة وتظهر آيات الله تعالى .
(ب) - هدد القرآن الكريم الكفار بالعذاب بماء حميم يقطع أمعاء هم ، واتضح السر في هذا التهديد أخيراً باكتشاف أن الأمعاء لاتتأثر بالحرارة ، ولكنها إذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلى البريتون الجداري ؛ الذي يغذى بأعصاب الجدار التي تغذي الجلد ، وعضلات الصدر والبطن، وتتأثر هذه الأعصاب باللمس أو الحرارة فيسبب الحميم بعد تقطيع الأمعاء أعلى درجات الألم .
أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف عن ذلك لاختلاف طبيعة تركـيب الجلد ، فلا يكون استمرار الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج إلا بتجديد جلد جديد .
فاختلاف الوصف لكيفية تحقيق العذاب بالنار من الخارج : عن طريق تبديل الجلد كلما نضج، ومن الداخل : بتقطيع الأمعاء بالحميم ، والذي أثبته العلم الحديث يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم في هذين المجالين .
ذلك أن القرآن الكريم كلام الخالق العليم الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان وأسراره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق