إن القرآن الكريم الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع الميلادي(أكثر من 1400عام) يمثل أول مرجع بين أيدينا يذكر أطوارا متميزة للجنين ويقدم مسميات ومصطلحات تصف المظهر الخارجي ، وأهم العمليات والأحداث الداخلية لكل مرحلة ، وقد استوفت هذه المصطلحات القرآنية بدقة رائعة جميع الشروط التي يجب توافرها للمصطلحات العلمية الدقيقة . يقول الله تعالى مبينًا مراحل التطور الجنيني: { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ¤ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ¤ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} [سورة المؤمنون13-14]
وهذا الموضوع يتحدث عن المرحلة الأولى وهي النطفة.
النطفة تطلق على عدة معان منها : القليل من الماء والذي يعدل قطرة ويبدأ مصطلح النطفة من الحيوان المنوي والبييضة وينتهي بطور الحرث (الانغراس) ، وتمر النطفة خلال تكونها بالأطوار التالية :
أولاً: الماء الدافق:
يخرج ماء الرجل متدفقًا ويشير إلى هذا التدفق قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق ¤ خلق من ماء دافق) ( الطارق 5،6)
مما يلفت النظر أن القرآن يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلى أن للماء قوة دفق ذاتية وقد أثبت العلم في العصر الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب ( أنظر شكل1).
وقد أثبت العلم أيضا أن ماء المرأة الذي يحمل البييضة يخرج متدفقًا إلى قناة الرحم (فالوب) ، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتي يتم الإخصاب ( أنظر شكل2 )
من المعلوم أن ماء الرجل يحوي بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد في عملية الإخصاب مثال ذلك مادة (البرستاجلاندين) ، التي تحدث تقلصات في الرحم مما يساعد في نقل المنويات إلى موقع الإخصاب
أما ماء المرأة يحوي بالإضافة إلى البييضة عناصر أخرى تساعد وتشارك في عملية الإخصاب ومنها بعض الإنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته ، التي تجعل الحيوان المنوي قادرا على الإخصاب وذلك بإزالة البروتين السكري من رأسه وتعمل هذه الأنزيمات بالإضافة إلى ذلك على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غشائها الواقي أمام الحيوان المنوي.
وبما أن لفظ نطفة بمعنى الكمية القليلة من السائل ، فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى . ( أنظر شكل 1،2 )
ثانياً: السلالة .
سلالة في اللغة بمعان منها انتزاع الشئ وإخراجه في رفق، كما تعني أيضًا السمكة الطويلة. أما الماء المهين فالمراد به هنا ( أي في طور السلالة ) ماء الرجل.
وإذا نظرنا إلى الحيوان المنوي فسنجده سلالة تستخلص من ماء الرجل وعلى شكل السمكة الطويلة ، ويستخرج برفق من الماء المهين . ( أنظر شكل 3،4 ) ويشير القرآن الكريم إلى ذلك كله في قوله تعالى: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) [السجدة 8]
وخلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البييضة في ماء المرأة في قناة البييضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق منوي واحد البييضة ، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات ( أنظرالشكل4 ) وبدخول المنوي إلى البييضة تتكون النطفة
ويشير الحديث النبوي الشريف إلى أن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ، وفي ذلك يقول رسول الله (ما من كل الماء يكون الولد) وهكذا فإن الخلق من الماء يتم من خلال اختيار خاص ، والوصف النبوي يحدد بكل دقة كل هذه المعاني التي كشف عنها العلم اليوم
ثالثاً: النطفة الأمشاج:
تأخذ البييضة الملقحة شكل قطرة ، وهذا يتفق تمامًا مع المعنى الأول للفظ نطفة أي قطرة
ومعنى( نطفة الأمشاج) أي قطرة مختلطة من مائين . وهذه النطفة
الأمشاج تعرف علميًا عند بدء تكونها( بالزيجوت ) ويشير القرآن الكريم إلى النطفة الأمشاج بقوله تعالى: { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } [سورة الدهر: 2]
هناك نقطة هامة تتصل بهذا النص وهي كلمة (نطفة) اسم مفرد و أما كلمة أمشاج فهي صفة في صيغة جمع ؛ وقواعد اللغة تجعل الصفة تابعة للموصوف في الإفراد والتثنية والجمع.
كان مصطلح ( نطفة الأمشاج ) واضحًا عند مفسري القرآن الكريم الأوائل مما جعلهم يقولون: النطفة مفردة لكنها في معنى الجمع
يمكن للعلم اليوم أن يوضح ذلك المعنى الذي استدل عليه المفسرون من النص القرآني . فكلمة أمشاج من الناحية العلمية دقيقة تماماً وهي صفة جمع تصف كلمة نطفة المفردة، التي هي عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين .
تواصل هذه المرحلة نموها ، وتحتفظ بشكل النطفة ، ولكنها تنقسم إلى خلايا أصغر تدعى قسيمات جرثومية (blastomeres )
بعد أربعة أيام تتكون كتلة كروية من الخلايا تعرف التوتية(morula)
بعد خمسة أيام من الإخصاب تسمى النطفة كيس الجرثومة blastocyst) (مع انشطار خلايا التوتية إلى جزئين ( أنظر شكل 6) .
بالرغم من انقسام النطفة في الداخل إلى خلايا فإن طبيعتها ومظهرها لا يتغيران عن النطفة لأنها تملك غشاءً سميكا يحفظها ويحفظ مظهر النطفة فيها.
خلال هذه الفترة ينطبق مصطلح ( نطفة أمشاج ) بشكل مناسب تمامًا على النطفة في كافة تطوراتها ، إذ إنها تظل كيانًا متعددًا . فهي إلى هذا الوقت جزء من ماء الرجل والمرأة ، وتأخذ شكل القطرة فهي نطفة ، وتحمل أخلاطًا كثيرة فهي أمشاج ، وهذا الاسم للجنين في هذه المرحلة يغطي الشكل الخارجي وحقيقة التركيب الداخلي ، بينما لا يسعفنا مصطلح توتة ( هذا المصطلح الــذي يعنى جسماً مصمتاً لا سائلاً ) بهــذا المعني ، كمــا لا تعبر الأرقــام المستعملة الآن عن هذه المعاني.
نتاج تكوين النطفة الأمشاج :
1- الخلق
أ. وهو البداية الحقيقية لوجود الكائن الإنساني فالمنوي يوجد فيه(23) حاملاً وراثيًا ، كما يوجد في البييضة(23) حاملاً وراثيًا أيضًا . ويمثل هذا نصف عدد حاملات الوراثة في أي خلية إنسانية ويندمج المنوي في البييضة لتكوين الخلية الجديدة التي تحوي عددًا من الصبغيات ( الكروموسومات ) مساويا للخلية الإنسانية (46) ،
ب. بوجود الخلية التي تحمل هذا العدد من الصبغيات يتحقق الوجود الإنساني ، ويتقرر به خلق إنسان . جديد لأن جميع الخطوات التالية ترتكز على هذه الخطوة وتنبثق منها ، فهذه هي الخطوة الأولى لوجود المخلوق الجديد .
ب التقدير (البرمجة الجينية)
أ . بعد ساعات من تخلق إنسان جديد في خلية إنسانية كاملة تبدأ عملية أخرى ، تتحدد فيها الصفات التي ستظهر على الجنين في المستقبل ( الصفات السائدة ) كما تحدد فيها الصفات المتنحية التي قد تظهر في الأجيال القادمة ، وهكذا يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها.
ب . وقد أشار القرآن إلى هاتين العمليتين المتعاقبتين ( الخلق والتقدير ) في أول مراحل النطفة الأمشاج في قوله تعالى: { قتل الإنسان ما أكفره ¤ من أي شئ خلقه ¤ من نطفة خلقة فقدره } [سورة عبس] الآيات 17-19
جـ – تحديد الجنس:
أ . يتضمن التقدير الذي يحدث في النطفة الأمشاج تحديد الذكورة والأنوثة ، وإلى هذا تشير الآية الكريمة : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ¤ من نطفة إذا تمني } سورة النجم الآيتان 45-46
ب . فإذا كان المنوي الذي نجح في تلقيح البييضة يحمل الكروموسوم y كانت النتيجة ذكرًا ، وإذا كان ذلك المنوي يحمل الكروموسوم x كانت النتيجة أنثى.
رابعاً: الحرث :
أ . تبقى النطفة إلى ما قبل طور الحرث ( الانغراس ) متحركة وتظل كذلك حين تصير أمشاجًا وبعد ذلك ، وبالتصاقها بالرحم تبدأ مرحلة الاستقرار التي أشار إليها الحديث النبوي(يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين يومًا)،
ب . وفي نهاية مرحلة النطفة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة في بطانة الرحم بما يشبه انغــراس البذرة في التربة في عملية حـرث الأرض، وإلى هذه العملية تشير الآية الكريمة: { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } [البقرة 222] وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث ويكون عمر النطفة حينئذ ستة أيام .
ت . تنغرس النطفة(كيس الجرثومة) في بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها تتعلق بها في جدار الرحم والتي ستكون في النهاية المشيمة كما تنغرس البذرة في التربة ( أنظر الشكلين 7-8 )
ث . يستخدم علماء الأجنة الآن مصطلح ( انغراس ) في وصف هذا الحدث ، وهو يشبه كثيرا في معناه كلمة الحرث في العربية
ج . طور الحرث هو آخر طور في مرحلة النطفة ، وبنهايته ينتقل الحميل من شكل النطفة ويتعلق بجدار الرحم ليبدأ مرحلة جديدة ، وذلك في اليوم الخامس عشر ( أنظر شكل 9 )
ومما تقدم يتبين لنا بجلاء:
أ . أن القرآن الكريم قد وصف كل جوانب مرحلة النطفة من البداية إلى النهاية، مستعملا مصطلحات وصفية علمية دقيقة لكل طور من أطوارها. ويستحيل عمليًا كشف التطورات وعمليات التغيير التي تحدث خلال مرحلة النطفة من غير استخدام المجاهر الضخمة، نظرا لصغر حجم النطفة.
ب . لقد حدد القرآن الكريم أول مراحل النطفة بالماء الدافق فقال تعالى:{ فلينظر الإنسان مما خلق ¤ خلق من ماء دافق} [سورة الطارق] الآيتان 5،6 وحدد آخرها بحرث النطفة أي غرسها في القرار المكين.
ت . في العصر الذي ذكر فيه القرآن هذه المعلومات عن المرحلة الأولى للتخلق البشري ، كان علماء التشريح من غير المسلمين يعتقدون أن الإنسان يتخلق من دم المحيض وظل هذا الاعتقاد رائجا حتى اختراع المجهر (microscope) في القرن السابع عشر ، وما تلاه من الاكتشافات للحيوان المنوي والبييضة، كما ظلت أفكار خاطئة أخرى سائدة حتي القرن الثامن عشر ، حيث عرف أن كلا من الحيوان المنوي والبييضة ضروريان للحمل. وهكذا فإنه بعد قرون عــديدة يتمكــن العلــم البشري مــن الوصــول إلى مــا ورد في القــرآن الكــريم والسنة النبوية قبل 1400عام .
g
وصف الرحم بأنه ( القرار المكين ):
وصف القرآن الكريم النطفة بأدق وصف ، ووصف المكان الذي تستقر فيه النطفة بوصفين جامعين معبرين ، قال سبحانه وتعالى: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين( [سورة المؤمنون13] فكلمة قرار في الآية تشير إلى العلاقة بين الجنين والرحم فالرحم ـ مكان لاستقرار الجنين(18) أمــا مكــين فهي تشير إلى العــلاقة بين الــرحــم وجسم الأم.
وقد كشف العلم الكثير من التفاصيل لهذا الوصف الجامع المعبر ، فالرحم للنطفة ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أي جسم خارجي ، فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه.
وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمي الجنين داخله.
ويستجيب الرحم لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه فهو قرار له
ويحاط الجنين بعدة طبقات بعد السائل الأمينوسي وهي الغشاء الأمينوسي المندمج بالمشيمة ، وطبقة العضلات السميكة للرحم ثم جدار البطن ، وكل هذا يمد الجنين بمكان مناسب للاستقرار وللنمو الجيد
وهكذا فإن كلمة قرار قد استعملت في القرآن الكريم كل هذه المعاني وغيرها ، متضمنة وظائف الرحم باعتباره مكانًا مناسبًا لاستقرار الجنين وتمكينه من مواصلة نموه ( أنظرشكل10)
وقد جمع اللفظ ( قرار) الذي وصف القرآن الكريم به الرحم بقوله قرار كل الحقائق التي اكتشفها العلم ، لبيان مناسبة الرحم لاستقرار الجنين ، فهو لفظ معبر جامع . أما كلمة مكين فتعني مثبتاً بقوة ( ويذكر كثير من المفسرين هذا المعنى عن تفسير هذه الآية 20) كما تبين آية أخرى من القرآن الكريم معنى ( مكين ) بأنه تمكين بقوة قال تعالى : { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } أي قوي التمكين . (يوسف:4) وهذا يشير إلى علاقة الرحم بجسم الأم ، وموقعه المثالي لتخلق ونمو كائن جديد ، ويقع الرحم في وسط الجسم ، وفي مركز الحوض وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التي تثبته بقوة في الجسم أي أنه مكين ، كما قرر القرآن الكريم وهذا أيضًا لفظ جامع معبر عن كل المعاني التي تبين تمكن الرحم وتثبيته في جسم الأم وهكذا فإن كل وصف يتضمن العلاقة بين الجنين والرحم وبين الرحم وجسم الأم ، قد أدخل في معنى الكلمتين قرار و مكين اللتين تعبران تعبيرًا تامًا عن حقيقة الرحم ووظائفه الدقيقة ولا يفطن إلى أهمية هذين الوصفين إلا من له علم بحاجات نمو الجنين ، وحاجات الرحم ، لمواكبة هذا النمو حتى يخرج سليمًا
وهذا الموضوع يتحدث عن المرحلة الأولى وهي النطفة.
النطفة تطلق على عدة معان منها : القليل من الماء والذي يعدل قطرة ويبدأ مصطلح النطفة من الحيوان المنوي والبييضة وينتهي بطور الحرث (الانغراس) ، وتمر النطفة خلال تكونها بالأطوار التالية :
أولاً: الماء الدافق:
يخرج ماء الرجل متدفقًا ويشير إلى هذا التدفق قوله تعالى: (فلينظر الإنسان مم خلق ¤ خلق من ماء دافق) ( الطارق 5،6)
مما يلفت النظر أن القرآن يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلى أن للماء قوة دفق ذاتية وقد أثبت العلم في العصر الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب ( أنظر شكل1).
وقد أثبت العلم أيضا أن ماء المرأة الذي يحمل البييضة يخرج متدفقًا إلى قناة الرحم (فالوب) ، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتي يتم الإخصاب ( أنظر شكل2 )
من المعلوم أن ماء الرجل يحوي بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد في عملية الإخصاب مثال ذلك مادة (البرستاجلاندين) ، التي تحدث تقلصات في الرحم مما يساعد في نقل المنويات إلى موقع الإخصاب
أما ماء المرأة يحوي بالإضافة إلى البييضة عناصر أخرى تساعد وتشارك في عملية الإخصاب ومنها بعض الإنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته ، التي تجعل الحيوان المنوي قادرا على الإخصاب وذلك بإزالة البروتين السكري من رأسه وتعمل هذه الأنزيمات بالإضافة إلى ذلك على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غشائها الواقي أمام الحيوان المنوي.
وبما أن لفظ نطفة بمعنى الكمية القليلة من السائل ، فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى . ( أنظر شكل 1،2 )
ثانياً: السلالة .
سلالة في اللغة بمعان منها انتزاع الشئ وإخراجه في رفق، كما تعني أيضًا السمكة الطويلة. أما الماء المهين فالمراد به هنا ( أي في طور السلالة ) ماء الرجل.
وإذا نظرنا إلى الحيوان المنوي فسنجده سلالة تستخلص من ماء الرجل وعلى شكل السمكة الطويلة ، ويستخرج برفق من الماء المهين . ( أنظر شكل 3،4 ) ويشير القرآن الكريم إلى ذلك كله في قوله تعالى: (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) [السجدة 8]
وخلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البييضة في ماء المرأة في قناة البييضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق منوي واحد البييضة ، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات ( أنظرالشكل4 ) وبدخول المنوي إلى البييضة تتكون النطفة
ويشير الحديث النبوي الشريف إلى أن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ، وفي ذلك يقول رسول الله (ما من كل الماء يكون الولد) وهكذا فإن الخلق من الماء يتم من خلال اختيار خاص ، والوصف النبوي يحدد بكل دقة كل هذه المعاني التي كشف عنها العلم اليوم
ثالثاً: النطفة الأمشاج:
تأخذ البييضة الملقحة شكل قطرة ، وهذا يتفق تمامًا مع المعنى الأول للفظ نطفة أي قطرة
ومعنى( نطفة الأمشاج) أي قطرة مختلطة من مائين . وهذه النطفة
الأمشاج تعرف علميًا عند بدء تكونها( بالزيجوت ) ويشير القرآن الكريم إلى النطفة الأمشاج بقوله تعالى: { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } [سورة الدهر: 2]
هناك نقطة هامة تتصل بهذا النص وهي كلمة (نطفة) اسم مفرد و أما كلمة أمشاج فهي صفة في صيغة جمع ؛ وقواعد اللغة تجعل الصفة تابعة للموصوف في الإفراد والتثنية والجمع.
كان مصطلح ( نطفة الأمشاج ) واضحًا عند مفسري القرآن الكريم الأوائل مما جعلهم يقولون: النطفة مفردة لكنها في معنى الجمع
يمكن للعلم اليوم أن يوضح ذلك المعنى الذي استدل عليه المفسرون من النص القرآني . فكلمة أمشاج من الناحية العلمية دقيقة تماماً وهي صفة جمع تصف كلمة نطفة المفردة، التي هي عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين .
تواصل هذه المرحلة نموها ، وتحتفظ بشكل النطفة ، ولكنها تنقسم إلى خلايا أصغر تدعى قسيمات جرثومية (blastomeres )
بعد أربعة أيام تتكون كتلة كروية من الخلايا تعرف التوتية(morula)
بعد خمسة أيام من الإخصاب تسمى النطفة كيس الجرثومة blastocyst) (مع انشطار خلايا التوتية إلى جزئين ( أنظر شكل 6) .
بالرغم من انقسام النطفة في الداخل إلى خلايا فإن طبيعتها ومظهرها لا يتغيران عن النطفة لأنها تملك غشاءً سميكا يحفظها ويحفظ مظهر النطفة فيها.
خلال هذه الفترة ينطبق مصطلح ( نطفة أمشاج ) بشكل مناسب تمامًا على النطفة في كافة تطوراتها ، إذ إنها تظل كيانًا متعددًا . فهي إلى هذا الوقت جزء من ماء الرجل والمرأة ، وتأخذ شكل القطرة فهي نطفة ، وتحمل أخلاطًا كثيرة فهي أمشاج ، وهذا الاسم للجنين في هذه المرحلة يغطي الشكل الخارجي وحقيقة التركيب الداخلي ، بينما لا يسعفنا مصطلح توتة ( هذا المصطلح الــذي يعنى جسماً مصمتاً لا سائلاً ) بهــذا المعني ، كمــا لا تعبر الأرقــام المستعملة الآن عن هذه المعاني.
نتاج تكوين النطفة الأمشاج :
1- الخلق
أ. وهو البداية الحقيقية لوجود الكائن الإنساني فالمنوي يوجد فيه(23) حاملاً وراثيًا ، كما يوجد في البييضة(23) حاملاً وراثيًا أيضًا . ويمثل هذا نصف عدد حاملات الوراثة في أي خلية إنسانية ويندمج المنوي في البييضة لتكوين الخلية الجديدة التي تحوي عددًا من الصبغيات ( الكروموسومات ) مساويا للخلية الإنسانية (46) ،
ب. بوجود الخلية التي تحمل هذا العدد من الصبغيات يتحقق الوجود الإنساني ، ويتقرر به خلق إنسان . جديد لأن جميع الخطوات التالية ترتكز على هذه الخطوة وتنبثق منها ، فهذه هي الخطوة الأولى لوجود المخلوق الجديد .
ب التقدير (البرمجة الجينية)
أ . بعد ساعات من تخلق إنسان جديد في خلية إنسانية كاملة تبدأ عملية أخرى ، تتحدد فيها الصفات التي ستظهر على الجنين في المستقبل ( الصفات السائدة ) كما تحدد فيها الصفات المتنحية التي قد تظهر في الأجيال القادمة ، وهكذا يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها.
ب . وقد أشار القرآن إلى هاتين العمليتين المتعاقبتين ( الخلق والتقدير ) في أول مراحل النطفة الأمشاج في قوله تعالى: { قتل الإنسان ما أكفره ¤ من أي شئ خلقه ¤ من نطفة خلقة فقدره } [سورة عبس] الآيات 17-19
جـ – تحديد الجنس:
أ . يتضمن التقدير الذي يحدث في النطفة الأمشاج تحديد الذكورة والأنوثة ، وإلى هذا تشير الآية الكريمة : { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ¤ من نطفة إذا تمني } سورة النجم الآيتان 45-46
ب . فإذا كان المنوي الذي نجح في تلقيح البييضة يحمل الكروموسوم y كانت النتيجة ذكرًا ، وإذا كان ذلك المنوي يحمل الكروموسوم x كانت النتيجة أنثى.
رابعاً: الحرث :
أ . تبقى النطفة إلى ما قبل طور الحرث ( الانغراس ) متحركة وتظل كذلك حين تصير أمشاجًا وبعد ذلك ، وبالتصاقها بالرحم تبدأ مرحلة الاستقرار التي أشار إليها الحديث النبوي(يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين يومًا)،
ب . وفي نهاية مرحلة النطفة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة في بطانة الرحم بما يشبه انغــراس البذرة في التربة في عملية حـرث الأرض، وإلى هذه العملية تشير الآية الكريمة: { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } [البقرة 222] وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث ويكون عمر النطفة حينئذ ستة أيام .
ت . تنغرس النطفة(كيس الجرثومة) في بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها تتعلق بها في جدار الرحم والتي ستكون في النهاية المشيمة كما تنغرس البذرة في التربة ( أنظر الشكلين 7-8 )
ث . يستخدم علماء الأجنة الآن مصطلح ( انغراس ) في وصف هذا الحدث ، وهو يشبه كثيرا في معناه كلمة الحرث في العربية
ج . طور الحرث هو آخر طور في مرحلة النطفة ، وبنهايته ينتقل الحميل من شكل النطفة ويتعلق بجدار الرحم ليبدأ مرحلة جديدة ، وذلك في اليوم الخامس عشر ( أنظر شكل 9 )
ومما تقدم يتبين لنا بجلاء:
أ . أن القرآن الكريم قد وصف كل جوانب مرحلة النطفة من البداية إلى النهاية، مستعملا مصطلحات وصفية علمية دقيقة لكل طور من أطوارها. ويستحيل عمليًا كشف التطورات وعمليات التغيير التي تحدث خلال مرحلة النطفة من غير استخدام المجاهر الضخمة، نظرا لصغر حجم النطفة.
ب . لقد حدد القرآن الكريم أول مراحل النطفة بالماء الدافق فقال تعالى:{ فلينظر الإنسان مما خلق ¤ خلق من ماء دافق} [سورة الطارق] الآيتان 5،6 وحدد آخرها بحرث النطفة أي غرسها في القرار المكين.
ت . في العصر الذي ذكر فيه القرآن هذه المعلومات عن المرحلة الأولى للتخلق البشري ، كان علماء التشريح من غير المسلمين يعتقدون أن الإنسان يتخلق من دم المحيض وظل هذا الاعتقاد رائجا حتى اختراع المجهر (microscope) في القرن السابع عشر ، وما تلاه من الاكتشافات للحيوان المنوي والبييضة، كما ظلت أفكار خاطئة أخرى سائدة حتي القرن الثامن عشر ، حيث عرف أن كلا من الحيوان المنوي والبييضة ضروريان للحمل. وهكذا فإنه بعد قرون عــديدة يتمكــن العلــم البشري مــن الوصــول إلى مــا ورد في القــرآن الكــريم والسنة النبوية قبل 1400عام .
g
وصف الرحم بأنه ( القرار المكين ):
وصف القرآن الكريم النطفة بأدق وصف ، ووصف المكان الذي تستقر فيه النطفة بوصفين جامعين معبرين ، قال سبحانه وتعالى: )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين( [سورة المؤمنون13] فكلمة قرار في الآية تشير إلى العلاقة بين الجنين والرحم فالرحم ـ مكان لاستقرار الجنين(18) أمــا مكــين فهي تشير إلى العــلاقة بين الــرحــم وجسم الأم.
وقد كشف العلم الكثير من التفاصيل لهذا الوصف الجامع المعبر ، فالرحم للنطفة ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أي جسم خارجي ، فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه.
وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمي الجنين داخله.
ويستجيب الرحم لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه فهو قرار له
ويحاط الجنين بعدة طبقات بعد السائل الأمينوسي وهي الغشاء الأمينوسي المندمج بالمشيمة ، وطبقة العضلات السميكة للرحم ثم جدار البطن ، وكل هذا يمد الجنين بمكان مناسب للاستقرار وللنمو الجيد
وهكذا فإن كلمة قرار قد استعملت في القرآن الكريم كل هذه المعاني وغيرها ، متضمنة وظائف الرحم باعتباره مكانًا مناسبًا لاستقرار الجنين وتمكينه من مواصلة نموه ( أنظرشكل10)
وقد جمع اللفظ ( قرار) الذي وصف القرآن الكريم به الرحم بقوله قرار كل الحقائق التي اكتشفها العلم ، لبيان مناسبة الرحم لاستقرار الجنين ، فهو لفظ معبر جامع . أما كلمة مكين فتعني مثبتاً بقوة ( ويذكر كثير من المفسرين هذا المعنى عن تفسير هذه الآية 20) كما تبين آية أخرى من القرآن الكريم معنى ( مكين ) بأنه تمكين بقوة قال تعالى : { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } أي قوي التمكين . (يوسف:4) وهذا يشير إلى علاقة الرحم بجسم الأم ، وموقعه المثالي لتخلق ونمو كائن جديد ، ويقع الرحم في وسط الجسم ، وفي مركز الحوض وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التي تثبته بقوة في الجسم أي أنه مكين ، كما قرر القرآن الكريم وهذا أيضًا لفظ جامع معبر عن كل المعاني التي تبين تمكن الرحم وتثبيته في جسم الأم وهكذا فإن كل وصف يتضمن العلاقة بين الجنين والرحم وبين الرحم وجسم الأم ، قد أدخل في معنى الكلمتين قرار و مكين اللتين تعبران تعبيرًا تامًا عن حقيقة الرحم ووظائفه الدقيقة ولا يفطن إلى أهمية هذين الوصفين إلا من له علم بحاجات نمو الجنين ، وحاجات الرحم ، لمواكبة هذا النمو حتى يخرج سليمًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق